لم يكن تعريف الحب يوما يشمل المشاعر السلبية وإن تنوع واختلف، فالحب الصادق هو الحالة العاطفية والعقلية التي تحوي المشاعر الإيجابية، هو شعور التعلق والانجذاب نحو كائن، نحو عادة، نحو طعام، نحو الوطن، هو لذة ومتعة وكفاح ومحاولة، هو أن تتمنى لمن تحب أن يكون الأفضل لا العكس.
إذن هل ما نشاهد ونسمع ونقرأ من خلال التواصل الاجتماعي من منشورات ذات حروف قاسية حدثتنا عن الانتماء ودافعت وانتقدت وطالبت بصوت أثر فينا ولامس مشاعرنا هو حب للوطن؟.
يتوقف قلمي لبرهه، يبتسم حبره ويعلو نفثه ويكتب مجيبا مكررا لما قاله ويليام شكسبير: «من يحب لا يقسو، لا يمل، لا يهرب، لا يهمل، لا يفارق، لا يخادع».
من يحب الوطن لا يقسو عليه في أزماته، لايتحدث فقط بالسلبيات، وإن تحدث بها ليجد حلولا للتقليل منها أو لتجاوزها، لكنه ابدا لا يستخدمها كسلاح لخلق الافتراء وتعظيمه أو للبحث عن شعبوية على التواصل الاجتماعي، هذا ما يسمى خداع المواطن المنتمي والعزف على وتر البلاء وليس الانتماء.
ومعظم الذين نراهم خلف الشاشات في ذلك البث الركيك من فارقوا الوطن باحثين عن وطن يتبنى أفكارهم، لكن لم يعلموا أن الوطن لَم يكن يوما قطعة جغرافية فقط وماديات، هو حافظة الذكريات التي لا تفنى، هو أحداث ومواقف وبهجة وحزن وكآبة، هو خليط من حياة ذات مراحل ارتبطت بتلك الأرض فكانت لنا الأم التي نعشق حتى لو لم تستطع أن توفر لنا كل ما نريد، لكنها حضن ومأوى، هي الأصل الذي نعتز به، ووقف احتراما القلم للجملة الأخيرة (أصل) وذكرني بقول جدتي: «احنا اولاد اصل والمقصود وطن».
لا تظهر الوطن الأم بصورة سيئة للغير، ولا تجسد أخطاء المسؤول على أنها خطأ الوطن، كل الأوطان يحدث فيها فساد، حتى في البيوت هناك الذي أخذ إرث أخيه، ثم ماذا؟، ثم تصدق من مال أخيه! ندما غريبا عن ذلك الحرام، واستمر في الربا، وهناك في تلك الزواية تدعو الأم له بالهداية، لكنها لا تقسو..!!، كارثه أن نحب الوطن بهذا الشكل البشع، كارثة أن تعظم الحدث باسم الانتماء وتفبرك الفيديوهات باسم الدفاع لتظهر للعالم أننا في حرب داخل الوطن، كارثة أن تصب الزيت على النار، لكن ما يتوجب علينا كمواطنين اطفاؤها وليس تركها تأكل الهشيم، فنحن جزء من ذلك الهشيم، وإن اضرمت احرقتنا وبقينا بلا وطن.
إذا أردت وطن مثالي، كن أنت مثالي، ولا تكن جزءا من كارثة هذا الحب البشع.
"الرأي"