لقد ثبت وكما اعتقد وارى فشل نظرية امريكا في موضوع الحرب الاوكرانية التي اندلعت بتاريخ 24 شباط 2022، وتحمل الغرب فاتورة الفشل بكل تأكيد، وهي التي جاءت على لسان وزير خارجيتها انتوني بلينكين عندما ربط بين تزويد بلاده والغرب للعاصمة ( كييف ) بالاسلحة الحديثة والثقيلة بهدف تحقيق سلام الند للند من دون حسبة بأن سلاح الغرب مجتمعا يقع تحت مرمى الجيش الروسي ولن يوصل غرب اوكرانيا ولاحتى الغرب الى نتيجة ناجعة يعوّل عليها، وتصريح هام مقابل لوزير خارجية روسيا الاتحادية سيرجي لافروف قال فيه بأن انهاء الحرب الاوكرانية لا يتشكل عبر التطاول على أمن بلاده روسيا، واذا ما حفرنا في عمق الحرب الدائرة وتاريخها السياسي واللوجستي سنجد بأن الغرب بقيادة الولايات المتحدة الامريكية هو من اخترق القانون الدولي، وواصل بنفس الاتجاه عبر تزويد الجناح الغربي الاوكراني بالسلاح الحديث، وبموضوعية وصدق استطيع القول هنا بأن روسيا الاتحادية العارفة بالقانون الدولي كما الغرب لم تخترق القانون الدولي ولا معاهدة جنيف لعام 49 في دخولها واجتياحها لشرق وجنوب اوكرانيا عبر عمليتها العسكرية الخاصة، وانما ذهبت الى هناك حامية عسكريا لصناديق الاقتراع وللرقابة الدولية وبمساعدة جهاز ( فاغنر ) الامني الخاص بعد تسبب نظام ( كييف ) بإرتكاب مجزرة بشرية انسانية وعلى مدار ثماني سنوات، أي منذ عام 2014 متسببة في مقتل وتشريد أكثر من 14 الف مواطن روسي وأوكراني ناطق بالروسية من بينهم أكثر من 500 طفل وسط منطقة ديمغرافية يقطنها نحو سبعة ملايين انسان .
وعندما نقول بأن محكمة العدل الدولية في ( لاهاي ) المتخصصة في فض النزاعات الدولية قد تنهي الحرب الاوكرانية وأعرف بأن قراراتها لاتملك سلطة ترتقي الى قوة حق النقض ( الفيتو ) في مجلس الأمن، وسبق للعاصمة الأوكرانية ( كييف ) أن رفعت دعوى على روسيا بتاريخ 16 أذار 2022 لوقف عمليتها العسكرية الخاصة داخل الاراضي الأوكرانية لكنها لم تصل الى نتيجة رغم تصويت 13 دولة لصالح دعوتها القضائية واعتراض روسيا والصين عليها، ومسألة التصويت المكررة في الأمم المتحدة على ادانة روسيا لضمها اولا اقليم ( القرم ) الاوكراني سابقا عام 2014، وبعد ذلك ادانتها من جديد عام 2022 لضمها الاقاليم الاربعة الاوكرانية السابقة(لوغانسك، ودونيتسك "الدونباس"، وزاباروجا، وجانب من خيرسون)، افشلتها روسيا في المرة الاولى عبر حق النقض ( الفيتو ) بالتعاون مع الصين، وستفشل تكراره ايضا بنفس الطريقة، والغرب بقيادة امريكا الباحث عن السلام الذي يروق له من خلال تزويد ( كييف ) بالسلاح فشل وسيواصل فشله كما هو ملاحظ، ولن تنتهي الحرب الاوكرانية بهذه الطريقة، ولن ينهيها غير طاولة الحوار التي اعاق الغرب انعقادها اكثر من مرة ومبكرا عبر الحوار المباشر وعبر اتفاقية ( مينسك 2) لاسباب لا علاقة لها بسيادة اوكرانيا على اراضيها، وانما لمواصلة استنزاف روسيا، ولكي تستمر الحرب الباردة منذ بدأت مع نهاية الحرب العالمية الثانية 45، وليستمر سباق التسلح لصالح تجار السلاح في الغرب على ما يبدو، وبهدف الضغط أكثر على البنية التحتية الروسية ولتثور الشعوب الروسية ضد نظامها السياسي كما يرسمون، وهو الذي لن يحدث، وحرب المؤامرة ومعركة المصير ستفشل حتما .
أؤكد هنا من جديد بأن الحرب فرضت على روسيا وتحركت صوبها ثائرة لناسها، وقرارها لم يكن فرديا أو اتوقراطيا، وانما جماعيا ديمقراطيا شاور الرئيس بوتين بشأنه قيادة قصر (الكرملين) الرئاسي من كبار السياسيين والجنرالات، وحظي القرار بالموافقة، والاحتلال ليس هدفا لروسيا وهي تمتلك مساحة من الارض تزيد على 18 مليون كلم²، وكان ولا يزال يهمها تنظيف الجوار الروسي من السطوة الامريكية الغربية، وهو ما فعلته والسوفييت ابان الحرب الافغانية عام 79، وكررته في جورجيا عام 2008، وهي، أي روسيا لاتقبل بالحيط الواطي، وتلاحظ مماحكة الغرب لها ومن زاوية الحسد والحقد وسوء فهم القانون الدولي، لذلك عمل الغرب على تفريغ الانتاج الغربي من الاسواق الروسية، ويدعو لتفريغ روسيا من اليهود، وسبق أن تحرش بالحدود البرية والمائية الروسية عبر تحريك حلف ( الناتو ) صوبها، وحرض الدول الصديقة لروسيا للابتعاد عنها ولتوقيف خطوط الطيران معها، وكلها اساليب مكشوفة لروسيا وللرأي العام العالمي، والحقيقة يصعب تغطيتها بغربال .
والواضح الذي يصعب التلاعب بكلماته هو أن تشجيع الغرب ( لكييف) العاصمة المنقادة ليس للغرب فقط، وانما للتيار البنديري المتطرف، ولفصائل ( أزوف ) الأكثر تطرفا، زاد من تدمير البنية التحتية الأوكرانية، وما الفعل الروسي العسكري الا ردة فعل على تطاول غرب أوكرانيا والتطاول الغربي غير المسؤول، وأوكرانيا لن تبنى الا بسواعد ابنائها، ولن يساعدهم بذلك غير الروس أولا، ولو اراد الغرب ذلك لأوقف الحرب وشمر عن سواعده لإعادة البناء، وترك الأوكران يتفاوضون مع الروس وفقا لمعادلة سلام الأمر الواقع، بمعنى الحديث مع الروس بعد سوار الاقاليم الخمسة التي أصبحت شيئا من الماضي وضمن السيادة الابدية الروسية، ولن يصلح الحال في العاصمة ( كييف ) مالم تعزف والى الأبد عن الاقتراب من حلف ( الناتو ) المعادي لجارتها روسيا – عمقها الأستراتيجي، والتوازن بين الغرب والشرق لا يعني تسليم استقلال أوكرانيا الذي حصلت عليه عام 91 للإستعمار الغربي المعادي لروسيا وغير المنسجم معها، وثمة تداخل ديمغرافي وتاريخي وأيدولوجي فريد من نوعه داخل المكون الروسي والأوكراني .
وخيط الأمل الوحيد الباقي في الموضوع الروسي – الاوكراني – ومع الغرب بقيادة حلف (الناتو)، يكمن في حضور الخط الساخن بين القطبين العظميين روسيا الإتحادية والولايات المتحدة الأمريكية، ويبقى الغرب مغرر به، وكل دولة عالمية لا تفهم قواعد الحرب، واللقاءات الأستخبارية الروسية – الأمريكية رفيعة المستوى قادرة على أن توصل لنتائج حميدة، ومن المحتمل أن تنهي الحرب التي شارفت على العام من حيث طول مدتها، ونجم عنها خسائرا بشرية وعسكرية وعلى مستوى البنية التحتية طالت الغرب كما الشرق الاوكراني والروسي، وأمريكا وأجهزتها اللوجستية تعرف أكثر من الغرب وأجهزتهم المماثلة بأن القدرات العسكرية الروسية كبيرة عملاقة وغير عادية، وبأنها فوق نووية، فلماذا الزج بالسلاح الحديث غير النافع، وهو المؤدي لإستمرار الحرب بهدف إستنزاف روسيا وأوكرانيا معا الى جانب الغرب، بينما هي الشعوب محتاجة للتنمية الشاملة النافعة للأجيال المتعاقبة .
إن ما تصبو اليه أمريكا وتجر معها الغرب الى ذلك هو تحقيق مزيد من القتل والتدمير على حساب جيوب الغرب وخزائنهم المالية ، وهو الذي يحدث الان ، وهي سياسة مخترقة علنا للقانون الدولي ، وأصبحت روسيا معروفة بحرصها في المقابل على أن تبقى متفوقة في سلاحها على الغرب كل عشر سنوات ولو على حساب بنيتها التحتية ، وكلما اقترب الغرب من الشرق والعكس صحيح انتهى التشنج، والحرب الباردة كذلك، وسباق التسلح أيضا، والإقتراح الروسي عام 2000 والذي تبناه الرئيس بوتين بدخول بلاده الى حلف ( الناتو ) هو الأصح، لكن أمريكا غير الراغبة بوجوده في سلطة ( الكرملين ) لأنه القوي رفضت المشروع مبكرا، وترفض التعامل مع روسيا أيضا بسبب سياستها المغايرة، وعينها كانت دائما دافئة على شخصيات انهزامية مثل( بوريس يلتسين وميخائيل غورباتشوف)، ولم تتوقع ومعها الغرب بأن روسيا تمر بصحوة تحرص فيها على بقاء من هو شبيه بجيورجي جوكوف بطل الحرب العالمية الثانية الميداني أي مثل فلاديمير بوتين ومن سيأتي بعده ويشبهه الى الأمام وسط عمق الزمن القادم، والمحافظة على استقلال روسيا العظمى هو عنوان المرحلة والمستقبل بالاضافة الى انهاء مرحلة احادية القطب والعودة الى تعدد الاقطاب.