facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




بلاد جاسيندا


سمير عطا الله
22-01-2023 12:14 AM

نيوزيلندا بلد على أطراف الأرض ميزته أكبر المراعي، وأكبر عدد من المواشي. والباقي حياة الرعيان، هدوء ونوم مبكر، وكما غنّت فيروز «سوقي القطيع إلى المراعي- وامضي إلى خضر البقاع».

هادئة، هانئة كانت نيوزيلندا إلى درجة أنها انتخبت أصغر امرأة في العالم (جاسيندا أرديرن، 37 عاماً)، رئيسةً للوزراء. وفي 15 مارس (آذار) 2019 كان على الرئيسة الشابة أن تواجه واحدة من أصعب المحن التي مرّت بالبلاد: قام إرهابي أسترالي بمهاجمة مسجدين خلال صلاة الجمعة، وقتل 50 مصلياً. هزّت المجزرة العالم، إلا السيدة الشابة فدعت جميع الشعب إلى الصمود في وجه الإرهاب وحماية المواطنين المسلمين، ووقفت أمام المساجد تُلقي الكلمات في جميع الناس.

منذ ذلك اليوم أصبحت جاسيندا أرديرن سيدة في مصافّ قادة الدول، ولم تعد بلادها سيدة المراعي فحسب. الخميس الماضي دخلت التاريخ مرة أخرى عندما أعلنت وهي في ذروة شعبيتها، أنها سوف تترك الحكم في 7 فبراير (شباط) المقبل، لأنها لم تعد قادرة على تقديم المزيد للبلاد: «لقد فرغ الخزان، والسياسيون يتعبون مثل غيرهم. لم أعد أملك الطاقة على الاستمرار».

أصبحت أرديرن الآن في الثانية والأربعين. ويتهافت سياسيو العالم على المناصب وهم في العقد العاشر. وتجري المعارك الانتخابية في أميركا وأوروبا مثل حومة الكواسر على فريسة. ثم فجأة صدمة جميلة واعتراف نبيل: «لقد تعبتُ ولن أبقى في مركز لا أستطيع القيام بواجباته».

نادرةٌ النفوس العلياء في السياسة. وفي صورة خاصة لا تعلو نفس على شهواتها السياسية مهما ذلّت كرامتها. وبسبب السياسات تقوم المَقاتل والقبائل والأمم وتُبعثر الأرواح وتُهدر الأجيال، ويعمّ السياسيون البؤس والفقر وهم يتمسكون بمراكزهم غير آبهين لعدد الضحايا الذين يتركونهم خلفهم، ولا عدد الحزانى ولا أعداد الجائعين.

نحن في منطقة لا يمكن أن تظهر فيها جاسيندا أرديرن في صورة رجل أو امرأة. فلا مكان للشعوب في أرضها دائماً. كُتب عليها التشرّد في بلدان الآخرين والذل في المخيمات.

كانت جاسيندا أرديرن حاكمة في بلاد النسيان والمراعي، وإذا بها تلتقط اللحظة التاريخية مرتين في شجاعةٍ أين منها شجاعة الرجال. أولاً في صفع الإرهاب المقيت، وثانياً في التخلّي عن أعلى مراتب السلطة، كأنها تخلع من يدها خاتماً من فضة. وبعد اليوم لن تبحث نيوزيلندا عن لقب لها في الحقول والمروج الرائعة، إذ سوف تُعرف بأنها بلاد جاسيندا.

الشرق الاوسط





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :