البناء التعليمي الرقمي الشمولي
د. أميرة يوسف ظاهر
20-01-2023 05:23 PM
يخطو العالم في الأعوام القادمة وبطريقة سريعة إلى ما يسمى في حينه بالتعليم الشامل الرقمي الشمولي، أو بإحدى المسميات التي ستكون جاهزة آنذاك كشكل جديد في التعليم الذي سيشهده العالم وستعمل الدول وحسب درجات نموها وتطورها على أن تتبناه وتلتحق به، وستكون الدول المتقدمة هي الدول الأكثر والأسرع في تبني هذا الشكل من التعليم، إذ سيركز هذا النوع من التعليم على التخلص من الوسائل التقليدية بكافة أشكالها، وأول الأشكال التقليدية التي سيتم التخلص منها هو الكتاب الورقي والقلم والورقة، وحينها سيكون أشيع أشكال القراءة هو القراءة الرقمية بواسطة كتب الهايبر المثقلة بالمفردات الرقمية، بحيث يتم متابعة المفردة والقيمة التعليمية والمعادلة والقيمة الرياضية بطريقة الضغط عليها فيتم تحليلها، وسيكون القلم الرقمي والورقة الرقمية أداتي التعلم، وفي الإطار سيكون هناك عمليات الحل الرقمي والإنشاء الرقمي، وبالتالي سيعتمد التقييم الآني لكل ما سيتم الوقوف عليه والتعامل معه؛ إذ سيكون التقييم الكلي لا يعتمد على امتحان مرحلي أو كلي وإنما سيتم التعامل مع السلوك الرقمي للطلبة بشكل مستمر، فيما سيسمى بالتقييم الرقمي المستمر.
وسيطبق هذا التعليم في كافة الصفوف التعليمية إذ سيختفي الصف التقليدي وسيتم الانتقال التلقائي إلى الصف الرقمي، الذي سيكون متاحا على منصات خاصة يتم الالتحاق بها بواسطة أجهزة حاسوبية وعبر الشبكة، يصممها المتخصصون بعالم الحاسوب والذكاء الصناعي وإنترنت الاشياء، وحينها سيدير هذا النوع من التعليم جيش من المتخصصين عبر العالم، إذ ستكون هناك مواد يتم الاتفاق عليها دوليا كالفيزياء والرياضيات واللغات ومواد حياتية ومواد فلسفية وديمقراطية وغيرها، وسيكون هناك تراجع في سيادية بعض المواد فهناك اتفاق سيشمل كل دول العالم يتعلق بوحدة مرجعية للتاريخ الذي سيتركز في تطور العالم المتسارع وجغرافية النت والإلكترونيات، مع إضافة مادة أو مادتين لغايات وطنية وإقليمية، وفيما يتعلق بالمعلم فسيكون هناك معلمين عبر العالم يقدمون مواد متخصصة يتم التواصل معهم بواسطة الرقم العالمي التربوي، وهذا سيكون على مستوى التعليم العام وبالتالي التعليم العالي وتخصصيته، وبالنتيجة ستختفي الكثير من الوظائف، وسيكون على الكثير من الشبان والفتيات التوجه إلى التعليم الرقمي وتعلم آلياته وتعلم كل ما سيعمل على توظيفهم في المؤسسات التي ستقوم بعملها إلكترونية.
وللقضاء على روتين الدراسة عن بعد والتي ستعمل على خلق جيل منفصل عن مجتمع الأصدقاء التفاعلي النشط وعن الحركة التي توفر أوضاعا صحية وبيئية سليمة، سيتم خلق مجال لحركة الطلبة من خلال مراكز أو مدارس مصغرة للتطبيق العملي والتدريب على المهارات على مدار أيام قصيرة، وسيتاح للطلبة المبدعين عبر العالم الالتحاق بالجامعات الأبرز والأهم ومن التخصصات التي ترتضيها الشعوب المتحضرة لأبنائها.
وبهذا سيكون التعليم الشمولي في مقدمة الوسائل التي ستعمل على خلق دولة العالم، والتي سيكون مواطنوها كل سكان الأرض، وفي صدد ذلك سيكون هناك مشكلة تتعلق بانهيار القيم الوطنية والقومية وبشكل متدرج، وسيكون العالم المتقدم حاليا هو الذي سيطبق منهجه السياسي والاجتماعي، وهذا سينتج في النهاية علمانية أو ليبرالية ترتبط بديمقراطيات مدنية عبر العالم، إذ سيفرض الغرب الذي طلّق مسيحيته في النهج السياسي والتعليمي حاليا من المجتمعات الأخرى أن تفصل بين معتقداتها الدينية والقيم التعليمية والسياسية.
وإنما أنقل هذه التصورات التي ستنقلنا إلى هذا النهج التعليمي مشيرة إلى أنه ليس بالضرورة أن يكون هذا التحول ممنهجا، أو أن هناك خارطة طريق لهذا التحول، فالتحول سيحدث بذات الرتم الحالي، وقد تكون هناك اختراعات لأمراض وجوائح وغيرها مما ستسّرع في هذا التحول الذي سيشمل العالم تاركا فجوة بينه وبين المناطق النائية والنامية والريفية الأقل حظا التي سيغرق قاطنوها في أتون الفقر والبطالة والجوع.