السلاح من أجل السلام أم الدمار؟!
د.حسام العتوم
19-01-2023 01:15 PM
لعلها أغرب معادلة اسمع بها وسط الحرب " الروسية الأوكرانية ومع " الناتو " بالوكالة التي اندلعت بتاريخ 24 شباط 2022، أي منذ عام تقريبًا، أن يطرح الغرب فوق طاولته الرملية معادلة وشعار " السلاح من أجل السلام عبر التفاوض "، وهو ما صرح به مؤخرًا وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية انتوني بلينكين، عندما قال بأن بلاده تواصل تقديم السلاح الثقيل لأوكرانيا، وقصد الى ( كييف ) العاصمة لتتمكن من محاورة (موسكو) من زاوية الند للند، وهو المستحيل تصوره او تصديقه،و يرمي كما اعتقد لمزيد من الدمار وسط أوكرانيا، وسؤالي الكبير هنا هو اين هي أمريكا الدولة العظمى التي لا تقل اهمية عن روسيا الاتحادية في مجال القوة العسكرية بمفردها او عبر قوة حلف ( الناتو ) وعلى المستويين التقليدي وفوق النووي عن نجاحاتها في التفاوض مع روسيا عبر جلسات ( جنيف ) وغيرها من المحطات الدولية ؟ ولماذا تعتبر نفسها والغرب قائدة العالم من خلال قطبهم الأوحد دون الإصغاء لأقطاب العالم التي اصبحت تجذف بوضوح بعد اندلاع الحرب الاوكرانية خاصة تجاه تعدد الأقطاب، وبعدما انقسم الشرق والجنوب من العالم وانحاز للسياسة الروسية معتبرين أن العالم لا يمثله الغرب فقط ،و ثمة دول أخرى في الشرق والجنوب ؟ أين عدالة أمريكا وقطبها الغربي من مصير واحدة من أهم قضايا العالم العالقة من دون حل مقنع منذ عام 48 مثل القضية الفلسطينية العادلة ؟ ولماذا ضغطت أمريكا وجرت معها الغرب صوب إعاقة الحوار المباشر بين ( كييف- زيلينسكي ) و( موسكو – بوتين ) وعبر حوارات اتفاقية ( مينسك 2 ) ؟ وهل كل ما تفعله امريكا والغرب أيضًا من سلوك سياسي وعسكري سلبي هو كرها ببوتين وخوفا من عظمة روسيا، ولكي تحبط دورها في قيادة القانون والتوازن الدولي، وتعددية الأقطاب، ومواجهة الحرب الباردة وسباق التسلح في زمن معاصر عرضت فيه على أمريكا عام 2000 دخول حلف ( الناتو ) ليعم السلام ويتحول لتنمية شاملة حقيقية مفيدة للبشرية جمعاء ؟! دعونا نتأمل بما يمليه الضمير علينا وليس المصالح الشخصية، عندها سنصل للجواب الناجع .
والمعروف أن الولايات المتحدة مسيطرة وعبر مؤسسة (الايباك) لديها، وهي المتخصصة بالعلاقات اليهودية – الصهيونية – الأمريكية على اركان الامم المتحدة، ولها ثأثير قوي في مجلس الأمن، والقرارات الصادرة عنهما، وهما الأرفع مستوى في العالم ،و في المقابل ورغم ما تم تنفيذه من تصويت علني وأكثر من مرة لإدانة روسيا الاتحادية بسبب ضمها أول مرة لأقليم ( القرم ) الأوكراني السابق بالارتكاز على صناديق الاقتراع والرقابة الدولية عام 2014، ولضمها أربعة أقاليم أوكرانية اخرى ( لوغانسك، دونيتسك " الدونباس، زاباروجا، جانب من خيرسون ) بنفس الطريقة عام 2022، وتحرير مناطق أوكرانية غيرها مثل " سوليدار " المطلة على العاصمة " كييف "، لكن موسكو كانت لها بالمرصاد بالتعاون مع الصين وعبر حق النقض " الفيتو " وتمكنت من إحباط مشاريعها الدولية تحت مظلة القانون الدولي، ونجحت في موضوع (القرم )، وسوف تنحج من جديد في قضية الأقاليم الأربعة الأخرى سابقة الذكر، والدولة الثانية الغربية المتحمسة في التصدي للحضور الروسي العسكري الدفاعي والاستباقي والتحريري في أوكرانيا هي بريطانيا التي أعلنت من جديد تزويد " كييف " بدبابات حديثة متطورة من نوع " جالينجر " وكأنها لا تعرف مجددًا بأن سلاحها الجديد سيكون تحت مرمى الجيش الروسي الذي يزور قائده الجنرال سيرجي شايغو خطوط التماس ليتأكد من سير العملية العسكرية الروسية الخاصة التي تهدف لاقناع " كييف " وعواصم الغرب للإصغاء لشروط موسكو من أجل إنهاء الحرب ولتحقيق السلام الدائم .
ولقد أصبح مطلوبًا من الاعلام الروسي اليوم تسليط الأضواء على خسائر قوات حلف (الناتو ) في أوكرانيا خاصة بعد بلوغ حجم الدعم العسكري والمالي قرابة مائة مليار دولار، وبعدما بالغ الإعلام الغربي في نقل صورة خسائر الجيش الروسي في المعارك الأوكرانية وتضخيمها لأسباب ذات علاقة بالفوبيا الروسية وتخويف العالم من روسيا من دون مبررات على الأرض سواء على مستوى شروع روسيا في احتلال أوكرانيا المزعوم أو عن طريق استهداف المواطنين الأوكران عن قصد وهو هراء، ومسألة مقتل وزير داخلية أوكرانيا " دنيس موناستيرسكي " المؤسفة بعد اسقاط مروحيته فوق بلدة " بروفاي " على بعد مسافة قريبة من العاصمة " كييف " تعتبر عابرة بالمقارنة مع حوادث القتل التي تصيب الأوكران والروس خاصة العسكريين منهم، والضربات الصاروخية والمدفعية وعبر طائرات سلاح الجو التي تدمر البنية التحتية الأوكرانية، وهو الأمر الذي تحول إلى مأساة حقيقية يسجلها التاريخ إلى جانب الحروب العالمية " الأولى 1418 والثانية 3945 " .
والخط الساخن في الحرب الأوكرانية بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية قائدة ( الناتو ) لازال فاعلاً على مستوى الاستخبارات، وترحيب جديد لدميتري بيسكوف الناطق الإعلامي بإسم قصر " الكرملين " الرئاسي في موسكو العاصمة في اللقاء المرتقب بين مديري الاستخبارات الأمريكية وليام بيرنز والروسية سيرجي ناريشكين في مكان لم يحدد بعد، وسبق لهما أن التقيا في "أنقرة " التركية في نوفمبر الماضي المنصرم حول السلاح النووي والسجناء الأميركان في روسيا ،و اتهام وزيرة خارجية ألمانيا " انالينا بيربوك " الرئيس بوتين في اختراق القانون الدولي في حربه على أوكرانيا، تصريح غير دقيق ويفتقر للنزاهة، ومن الممكن تصنيفة تحت مظلة موجة الفوبيا الروسية المضللة للرأي العام العالمي .
وثمة تطورات جديدة على مستوى التقنيات العسكرية التكنولوجية الروسية المواجهة لمثيلاتها الأمريكية والغربية، مثل ادخال " الريبوت " العسكري المقاتل إلى وسط المعركة الأوكرانية، وهو الذي حقق نجاحات مشهودة في الحرب السورية بعد عام 2015 في مواجهة الألغام ولحماية الجنود والضباط الروس في ميادين القتال، وزج لقوات " فاغنر " الأمنية الروسية الخاصة إلى ساحات القتال الصعبة، وهي التي تمكنت قبل أيام من الثأر لحادثة الغدر بالجنود الروس في ليلة رأس السنة 2022، ولا يوجد ما يمنع الروس من فعل ذلك في حربهم الدفاعية التحريرية ،و القانون الدولي لن يمسهم وحدهم في زمن يزج به الغرب السلاح والمال الأسود الوفير بهدف تحقيق مزيد من التدمير والقتل ،والنصر سيكون إلى جانب أصحاب الحق والمظلمات، ولن يكون الى جانب المتآمرين على سيادة الدول تحت ذريعة حماية الاستقلال ذات الوقت.
وفي السطور الأخيرة من الحرب الأوكرانية نقرأ بأن الأبواب لازالت مفتوحة لسلام الأمر الواقع الذي يعترف للروس بسيادتهم على الأقاليم الخمسة المحررة بعد اتخاذها طوعًا خيار الانضمام لروسيا الاتحادية وتحت رقابة دولية، ولا مكان إلى الأمام لتشجيع العاصمة (كييف) وعبر تزويدها من طرف الغرب بالسلاح والمال على مواصلة القتال بهدف التفاوض من جديد على مستقبل الأقاليم التي حسمت أمرها روسيا وهي العارفة بالقانون الدولي كما الغرب ،و الأولوية الآن هي لإعادة بناء أوكرانيا، ولتوطيد استقلالها على غرار دول العالم المستقلة غير المنفرة لدول الجوار والمتصالحة مع العالم، والرئيس بوتين يؤكد حتمية نصر بلاده في الحرب الأوكرانية الدائرة وصرح بذلك من وسط مصنع الماز حسب وكالة الأنباء الألمانية (د. أ. ب)، وقولٌ لوزير خارجيته سيرجي لافروف بأن إنهاء الحرب الأوكرانية لا يأتي عبر مواصلة تهديد أمن روسيا.