فيلم الحارة .. لغة ترويجية أم واقع؟
18-01-2023 04:13 PM
تؤثر الثقافة في اللغة وطريقة فهم الناس وتصورهم للواقع فهي ما تفسر اعتباطية اللغة بين الدال (الكلمة) والمدلول (ما تشير له) كما يذكر العالم اللغوي فرديناند دي سوسير. فمثلا يُعدُّ الكلام بذيئا إذا تعارف أفراد المجتمع على ذلك لأن اللغة بطبيعتها عُرفية (conventionalised).
يقول بعض علماء اللغويات قد يتلفظ المتحدث ألفاظا نابية بشكل عفوي ليعبر عن الحالة النفسية التي يمر بها كالغضب أو الإحباط وغيرها. وأوضحوا أيضا أن المتحدث قد يتلفظ ألفاظا نابية لأسباب اجتماعية (مع الآخرين) بشكل مقصود لإهانتهم أو للتعبير عن الصداقة أحيانا. لا أنكر وجود هذه الممارسات اللغوية بين أفراد وطبقات أي مجتمع لكنها متفاوتة.
استغل مخرج فيلم (الحارة) اللغة ليروج لفيلمه. فقد لفتت الألفاظ النابية في هذا الفيلم انتباه الناس واستغربوها لالتزام الدراما الأردنية بالمحافظة على الذائقة العامة للمشاهد التي يحكمها العادات والتقاليد والثقافة والدين. وهذا يبين كيف طبق المخرج مقولة أندرسون (Andersson: 1985) " تصبح الألفاظ النابية والبذيئة فعالة ومُلفِتة إذا قيلت في مواقف أو مؤسسات لا نتوقع أن تُقال فيها". فقد مكّنت هذه القاعدة اللغوية مخرج الحارة من لفت انتباه المشاهدين لتحقيق الربح المطلوب.
وعلى الصعيد الدرامي لم يكترث مخرج فيلم الحارة للذائقة العامة للمشاهد ولجأ لتقليد أحد أنواع الأفلام الأمريكية التي يسودها العنف والتفكك الأسري وانعدام القيم. فقد صور الفيلم أن الحارات الشعبية في الأردن زاخرة بالانفلات الأمني والعصابات والابتزاز.
أما الواقع فإن نسبة كبيرة من سكان الأردن يرون أن الحارات الشعبية أحياء بسيطة تعكس تراث الأردن وعبق الماضي ويتسم أهلها بالشهامة والكرم. ولذلك استهجنوا مشاهد القتل والاغتيال التي عُرِضَت في الفيلم ولم يصدقوا أنها خارج تغطية الأمن العام.
يبقى السؤال "هل سيرسم هذا الفيلم صورة نمطية عند المشاهد خصوصا غير الأردني ويدفعه إلى تعميمه على كل الأحياء الشعبية في الأردن؟"
رد أحد ممثلي الفيلم (منذر رياحنة) مؤخرا على انتقاد الناس لفيلمه قائلا "الناس لا يعيشون في المدينة الفاضلة، فما تم تقديمه بالفيلم واقع حقيقي ومعاش، ونحن إذا قمنا بتحسين وتجميل الواقع في الأعمال الفنية فلن يصدقنا الجمهور".
لماذا يقر ويعترف رياحنة بواقعية تفشي الجريمة والقتل والزنا في الحارات الشعبية في الأردن؟ وعلى ماذا اعتمد ليوثق هذه الأحداث الوحشية ويربطها بأحيائنا الشعبية؟
وفي الختام أقول أن أي فن يعمم ظاهرة سلبية كالجريمة أو المخدرات وما شابه ويوضح سبل تحقيقها ويعممها على مجتمع مثل الأردن دون معالجتها هو شيء مُمِل ولا جدوى منه.