"المدينة الجديدة" والنظم التعليمية والمعرفية الحديثة
فيصل تايه
18-01-2023 12:12 AM
يحظى مشروع "المدينة الجديدة" أو "العاصمة الإدارية" بأهمية كبرى منذ ان تم الإعلان عنه رسمياً ، اذ كنا نسمع ما كان يجري من حديث عن هذا المشروع منذ تسعينيات القرن الماضي ، لكن يبدو أن ثمة جدية هذه المرة في تنفيذه ، ليحمل معه أمنيات كثيرة وتطلعات كبيرة ، ولكن نجاحه يظل مرهونا بالإرادة والإمكانيات وتجاوز التحديات والترويج لبنى الجذب الواعدة ، وهذا يعتمد على العناصر المحورية في نجاحه ، والمتمثلة في الاختيار الأمثل للموقع والتخطيط الجيد ، والتوزيع القائم على دراسات علمية لمواقع المؤسسات الإدارية والاقتصادية والتعليمية والتجارية والترفيهية ، هذا إلى جانب وضع جميع الضوابط القانونية للتحكم في العمران بما يضمن عدم حياد مخطط العاصمة الجديدة عن المسار المحدد له ، اضافة لكل ذلك ، الخطط الحكومية المتعلقة بالتحفيزات ، وتكون نواتها وامتدادها المستقبلي هو المجمع الحكومي ، الذي سيضم عددا من المؤسسات الرسمية غير السيادية ، والمعززة بمناطق سكنية وعناصر الجذب الأخرى من ترفيه ومؤسسات اقتصادية وتجارية ومرافق عامة ، مع توفير فرص العمل ومستوي الدخول والأجور التي سيكون تأثيرها سبباً في جذب السكان وتلبية احتياجاتهم .
نفهم ان الفكرة الأساسية للمشروع الذي يعد مشروعاً عابراً للحكومات ، جاءت للحاجة لإنشاء مدينة "بمواصفات عالمية" ، لاستيعاب ازمة الكثافة السكانية المضطردة ومواجهة زيادتها المستقبلية ، بعد أن بلغ الانفجار السكاني والاكتظاظ البشري مستويات قياسية غير مسبوقة ، إثر ما شهدناه من موجات متعاقبة من اللجوء السوري ومن قبله العراقي خلال السنوات الماضية ، وتحديداً في كل من مدينتي عمان والزرقاء ، فضاقت العاصمة عمان "خاصة" بمن فيها ، وأصبح لزاماً على ساكنيها التوسع نحو الأطراف ، ما يسهم في تخفيف الضغط على المرافق والحد من الازدحام ، هذا إلى جانب السعي لتحسين نوعية الحياة وتأمين فرص اقتصادية متعددة ، وصولاً لنموذج متقدم للشراكة الفاعلة بين القطاعين العام والخاص ، ناهيك عن استدامة الموارد من مياه وطاقة متجددة ، واستخدام النقل الحديث ، لتكون مدينة صديقة للبيئة وجاذبة للسكان .
اننا ونحن نتحدث عن الهدف من انشاء هذه المدينة ، فان العصف التساؤلي يقودنا الى استفهامات حول مستقبل الاجيال ومواكبة التطورات المتسارعة في مجال تكنولوجيا التعليم والحصول على المعرفة ، وهذا يحتاج الى جهود حكومية استثنائية وايدي خبيرة من اجل توفير "مساحة للمعرفة " نطمح فيها انشاء مرافق تعليمية مختلفة مزودة بالادوات التكنولوجية الرقمية الحديثة ، وتحوي تقنيات المدن الذكية وتوفر بنية تعليمية رقمية موحدة وشبكة مرافق ذكية ، من أجل فرص تعليم أفضل ، سعياً للنهوض ودعماً للتنمية المستدامة ، وهذا يتماشى مع خطة الدولة للتحول الرقمي ، واعداد جيل جديد من المدن الذكية المستدامة يتوافق مع رؤية العاصمة الإدارية الجديدة ، حيث يمكن أن تعد كمدينة ذكية خضراء بتقنيات عالمية ونظام إيكولوجي يضم شراكة راسخة يؤسس لعلاقات حقيقية لخدمة أهدافنا التنموية المأمولة ، فهي مدينة عصرية حديثة ونواة لحقبة جديدة من كياننا التقدمي العلمي المأمول ، لنتمكن من ان نقدم للعالم نسقًا علمياً وحضاريًا وإنسانيًا لبيئة حياتية بمفهوم اردني مبتكر ، وتنمية تسمو بحياة كريمة ، وعدالة اجتماعية إنسانية متواصلة، وخدمات تعليمية متكاملة، وتنمية مستدامة صديقة للبيئة.
مما سبق ، فنحن نتحدث عن أحدث النظم التعليمية التكنولوجية بهدف بناء مجتمع معلوماتي يتم من خلاله دعم البحوث والابتكار في التقنيات المتقدمة ، وجذب الاستثمارات التكنولوجية العالمية ، من خلال انشاء كيان تعليمي تكنولوجي أو بمعنى أخر "جامعة متخصصة" في علوم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والمجالات المرتبطة به ، لتكون جامعة معلوماتية متخصصة في المنطقة تهدف إلى توفير تعليم وبحث علمي على مستوى معرفي عالي في المجالات الحيوية المهمة وتبادل الثقافات والخبرات المختلفة ، وتضم مراكز تشمل مبنى للابتكار والبحوث التطبيقية، وآخر للتدريب التقني ، والبحوث والتطوير في التكنولوجيا المساعدة، ذلك لإتاحة برامج لبناء القدرات وتقديم الاستشارات، مما يساهم في التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية ، كما وبالإمكان ان تضم مركز للإبداع في الجيل الصناعي الرابع ، والذي يستهدف التوعية بتقنيات الثورة الصناعية الرابعة وتطبيقاتها العملية بالمصانع الذكية ، وتبنى التكنولوجيا المتقدمة في الصناعات المحلية ، فضلا عن التدريب على تقنيات الأتمتة والرقمنة ، وتقديم الدعم اللازم في مجالات تحفيز الابتكار الصناعي وتصميم المصانع الذكية بما يسهم في نقل المعرفة، وتطوير القطاع الصناعي ، وهذا يساعد على جذب العديد من الطلاب الوافدين من الخارج لتشجيع السياحة التعليمية وتوفير دخلٍ جيدٍ لخزينة الدولة .
واخيرا فنحن مع الفكرة التي ستسهم بتحفيز النمو الاقتصادي ، كما أنها ستكون أول نموذج لمدينة أردنية ذكية وعصرية مرنة، وتقديم الحلول لأنظمة البيئة، والطاقة النظيفة وبالإضافة إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تقوم بتحليل قاعدة كبيرة من البيانات لإثراء عملية صنع القرار ، ويتم الاعتماد عليها بالفعل في مجالات عديدة منها البيئة والزراعة والمؤسسات المالية والمنشآت الصحية والتعليمية.
والله ولي التوفيق