كان لدينا فيما مضى ما يُعرف بالصيدليات المناوبة ، والتكسي المناوب ، وكان الدارج أن يتم الإعلان عنها في وسائل الإعلام آنذاك . ولا شك أن مثل هذه النشاطات المناوبة ليست موضع اهتمام الأغلبية من الناس كونها ورديات عمل لطارئ غير معتاد ويتم الانتباه إليها من باب الاحتياط فقط كونها لا تغطي فترات ذروة العمل ولا ذروة الحاجة إليها .
واعتدنا أن الشخص المناوب أو الفريق المناوب أو الجهاز المناوب غالباً ما يحتاط لنفسه بمكان أو طريقةٍ كي يأخذ قسطاً من الراحة أو النوم أو التسلية ليتغلّب على بواعث الملل أو الإعياء أو الوحدة ، فنجد من متلازمات المناوبة الوسادة وربما الأريكة وبعض التسالي " والنقرشة " يستعين بها المناوبون على قضاء وقتٍ في أغلب الأحيان يكون فارغاً .
ومما استقرّ علمه ومعرفته في ممارسة المناوبة في كل المجالات الحياتية أنها تقتصر على الحراسة أو المراقبة أو التبليغات أو تدوين الملاحظات والتي ربما يتم نقلها أو إهمالها في غالب الأحيان ، ويكفي أن يعلم الجمهور أن هناك من يقوم بالمناوبة والتواجد بغض النظر عن أداء أي فعلٍ او القيام بأيّة مهمّة .
ولعلّ ثقافة المناوبة صارت لصيقةً بطريقة عمل الحكومات الأردنية في الآونة الاخيرة ، إذ أنها تكتفي بأن تُشعر الناس بوجودها وتواجدها وتقضي وقتها بالنقرشة والتسالي وليست بحاجة إلى أن تتعب في مرادها الأجسام لانعدام الشرط أصلاً ، لا بل لوجود ضدّه .
حين يكون أبرز ما تقوم به الحكومات هو الإعلان عن رفع سعر المحروقات ، وبداية العطل ونهايتها ، ومتعلّقات التوقيت الصيفي والشتوي ، والإستغراق في تقريب محاسيبها وتنفيعهم ضمن مشمشية مناوبتهم فهي تقوم بالنقرشة والتسلية وتمضية وقتها .
وحين يجتهد كلُّ من في الحكومة للمحافظة على موقعه من خلال مدّ شبكة من العلاقات وأداء الخدمات والتنفيعات وقضاء مصالح من لهم تأثير في بقائه في حيّز الإستفادة دون أي اعتبارٍ لمسؤولية الموقع تجاه الوطن والمواطن والتي لا علاقة لها بتقييمه في ظل السائد من الأعراف المصلحية ، فهذا يعني أننا نتعامل مع فريقٍ مناوبٍ متثاقل وعاجز وليس مع حكومة تقوم بمهامها الدستورية وهي تتسلّى وتنقرش .
وحين يكون لدينا حكومات لا تأبه أبداً بما تترك خلفها من أثرٍ وإنجاز وسمعة ومادّةً تاريخيةً لها تكون إيجابية يذكرها بالخير القادمون من الأجيال ، وإنما يهمها فقط المدّة التي تستطيع أن تقضيها في الرابع والمكتسبات الخاصة التي يمكن أن يحوزها كلّ واحدٍ من الفريق لنفسه ، فنحن بالتأكيد نتعامل مع فريقٍ مناوب يقضي ورديّته التي يريدها برداً وسلاماً له وله فقط .
حكوماتنا المناوبة ما عاد يعنيها إلاّ أن تتدثّر بالسكون والراحة وعدم الإزعاج والتقليل ما أمكن من التعاطي مع أدوات العمل التي يُفترض أن تكون جاهزة ومستعدّة لاستخدامها وتشغيلها وتفعيلها وتطويرها . ويكفي أن يعلم الجميع بأن الحكومات الأردنية ومنذ زمن لديها في فريقها شخص يُسمّى وزير خارجية ويقتصر تعاملها معه وتعامله معها بأن تتّخذ قراراتٍ بصرف مستحقّاته المالية للسفر والإقامة والمياومات ضمن الكشف الذي يُقدّم لها دون علمٍ بالسفر ولا أسبابه ولا نتائجه ولا أوقاته ، ولعلّ هناك مستجدّات أخرى أفضت إلى استقلال وزراء جدد عن حيّز الفريق الحكومي لأسبابٍ تتعلق بشخصية هؤلاء الوزراء وشخصية الرئيس والجهات الداعمة للوزراء .
وعوداً على بدء ، فكما تراجع اهتمام الناس بل وانعدم في معرفة الصيدليات المناوبة والتكسي المناوب لانعدام الحاجة إليها فقد انسحب الحال على الحكومات المناوبة ، ولا أدلّ على ذلك بأن أسماء وصور الكثير من أعضاء الحكومات ما عادوا معروفين ، ولا أبالغ إن قلت أن بائع المحارم الذي يقف بمحاذاة مطعم هاشم معروف ومألوف أكثر منهم .