الدفاع عن الدولة ومصادرة الرأي
د.طلال طلب الشرفات
15-01-2023 08:52 PM
أخطر ما يمكن تصوره في العراك الفكري هو تغير المفاهيم الديمقراطية في التعبير، وانكفاء المصطلحات المعتادة في التصنيف والتوصيف السياسي إلى تفسيرات جديدة تنسجم مع رغبات الغاضبين أو الساخطين أو المحبطين أو من لا يروق لهم الرأي الآخر المصان، بشرط واحد بسيط أن لا يخرق سقف الدستور وينسجم مع التشريعات المعمول بها في الدولة بغض النظر عن مدى الرضا عن تلك التشريعات التي تنهض حيالها القوى الفاعلة لتطويرها وتجويدها من خلال إرادة الشعب وصناديق الاقتراع.
في الأردن فقط يجري تصنيف الموالاة على أنها "تسحيج" والمعارضة على أنها جرأة وثبات على المبدأ. وفي وطننا فقط يحتكر الغاضبون سرد الرواية لكل شيء، وتُغتصب الحقيقة بشراسة، وينهض إقصاء الساخطين لوجهة النظر الأخرى مهما كانت وجاهتها بأبشع صورة، ويصبح الحوار عقيماً يعتريه الاغتراب، ويستبد به الغضب الذي ليس بالضرورة أنه على حق، ويتحول أفق الحوار إلى مكاسرة ومغالبة ما بين الناطقين من الموالاة والساخطين الذين يمتشقون سيوف الإدانة والأحكام المسبقة، والشتائم في وسائل التواصل الاجتماعي والناطقين باسمهم في الداخل والخارج.
للمولاة -كما هي المعارضة- وجهة نظر يجب سماعها، ولا يجوز لأحد أن يحتكر الحقيقة، والدفاع عن الدولة ليس بالضرورة أن يكون دفاعاً عن الحكومات، وحتى إن كان هناك إشادة بجهد حكومي هنا أو تبني سياسة حكومية هناك؛ فإن ذلك لا يعني البتة "تسحيجاً" أو نفاقاً أو تزلفاً لأحد؛ لأن النوايا يعلمها واحد أحد، والحكمة ضالّة المؤمن، واحترام الرأي الآخر هو سنام المروءة والرصانة لكل النُّخب الحيَّة في المعارضة والموالاة على حدٍ سواء.
نحن ندافع عن الدولة؛ لأننا ندافع عن ذواتنا وقادم الأيام من حياتنا، وعن مؤسسة العرش؛ لأنها رمز توحدنا ومناط سلمنا الأهلي ورسالتنا الشريفة في الثورة والوصاية وملحمة البناء وطهر الحكاية، نحن ندافع عن الدولة؛ لأنها ملاذنا الأوحد في زمن النكوص والخذلان والاستهداف وظلم الرواية.
لنا حريتنا في أن نرى ضوء الشمس الأردنية دون حجاب، ولكم حريتكم أن تقولوا روايتكم بحرية ضمن سقف الدستور وأدبيات الحوار.
بعض الذين يأخذون علينا صدق بوحنا تجاه وطننا وقيادتنا لا يعرفون طهر حليب الحرائر الذي رضعناه، ولم يكن الولاء للتراب والقيادة يوماً صفقة كما هم، بل شرف ألفناه، ولم نرم حجر في بئر الوطن الذي عشقناه، ولم ننقلب على ذواتنا ووطننا بل نأنف مجاملة الأجنبي على حساب الوطن وعزته وكبريائه، لنا رأينا ولكم رأي، والفضاء الوطني يتسع لنا جميعاً إن تسلحنا بالحكمة وحب الوطن.
وحمى الله وطننا الحبيب وشعبنا الأصيل وقيادتنا الحكيمة من كل سوء.