المعلومة والمعلومة الزائفة
د. أحمد يعقوب المجدوبة
15-01-2023 06:02 PM
يُميِّزُ عالِم الفلك كارل سيغن في كتابه «العِلمُ شمعةٌ في الظلام» بين العِلم و «العلِم الزائِف."
فالعلم يتميّز باستناده إلى الملاحظة الدقيقة والتجربة العميقة والدليل الموثوق، والعمل المضني الذي يسبق ذلك.
وهو دوماً، سوى في حالات محدودة، قابل للتعديل أو التصحيح أو النقض، إذا ما ظهرت شواهد وإثباتات قاطعة معاكسة.
وهذا ما يُميّز العلم ويُكسبه الأهمية والمصداقية.
أما «العلم الزائف» فهو عبارة عن فيضٍ من أهواء وترّهات وخزعبلات وطروحات خيالية يُروّج لها أناس ويتلقّفها آخرون ويشاركونها دون أدنى نقد أو تمحيص أو تجريب.
وإن أورد بعضهم بعض المبررات أو المسوغات، فهي واهية واهنة، لا تمت للحقيقة والعقل والمنهجية العلمية بِصلة.
لكن المفارقة، وفق رأي سيغن، أن «العلِم الزائف» أكثر رواجاً بين الناس، وله أنصاره ومحبوه الكُثر. لا بل إنه في حالات كثيرة يطغى ويسيطر على عقول شرائح كبيرة من الناس.
وهنا تكمن الخطورة: أكثرية من الناس في المجتمعات يروق لها «العلم الزائف»، ولا يروق لها العلم، لأنه أكثر جاذبية ورومانسية من العلم ويُدغدغ عواطف الناس، إيجاباً أو سلباً، تَوْقاً أو خوفاً.
بيْدَ أن ما قاله سيغن في حينه، أي في تسعينيات القرن، ينطبق اليوم على «ثورة المعلومات» والتي كانت في بداياتها يومها.
ثورة المعلومات أتت بالنعم الكثيرة، في الجانب المتعلق بالتكنولوجيا المفيدة والعلم النافع. وهذا أمر لا يُستهان به، إذ جعلت التكنولوجيا حياتنا أيسر وأكثر مرونة، وأتاح لنا العلم العديد من المعارف التي وسّعت من مداركنا وأغنت حياتنا على نحو غير مسبوق.
لكن هذه «الثورة»، مع الأسف، وفي جانب آخر معاكس، يسّرت وفاقمت نقل المعلومة غير الصحيحة والرأي غير المدروس، وروجت للترّهات والمعلومات الزائفة، من خلال العديد من وسائل التواصل، الاجتماعي وغيرها، المنتشرة في أرجاء المعمورة، والتي يُقال وينقل فيها كل ما هبّ ودبّ، دون فلترة أو تمحيص أو مراجعة، والتي يهدف بعضها الإثارة أو الترويج لمنتج «تواصلي» سطحي أو سلبي بأي ثمن، أو التشويش والتدليس والخداع المقصود خدمةً لتوجّهات أو سياسات أو مقاصد غير بريئة.
"ثورة» المعلومات نعمةٌ في بعض أبعادها، ونقمةٌ في أبعاد أخرى.
والمفارقة التي حصلت خلال هذه الثورة أن زيادة وسائل التواصل بهذا العدد، لم تُقرّبنا من معرفة الحقيقة، كما كان يظن الواحد فينا، بل باعدت بيننا وبينها، وعزّزت الهوة بدلاً من جَسرِها.
أمرٌ مُحزن ومُقلق تفشّي المعلومات «الزائفة» على هذا النحو، لكن لا بد من التعامل معه بجدية واحترافية، ويكون ذلك من خلال عدة طرق، من أهمها تسليح الفرد بمهارات التّحليل والفهم والتدقيق والتمحيص لمعرفة الغثّ من السّمين، وتزويده في المراحل المدرسية والجامعية بالمعارف العلمية الرصينة، ثم من خلال التربية العِلمية والإعلامية، وقبل كلّ ذلك الإيمان بالثوابت الراسخة والأخلاق الحميدة.
ولعل المطلوب استراتيجية مُحكمة يضعها الخبراء، تتفرع منها خطط عمل تؤتي أُكلها سريعاً، حفاظاً على دور الفرد الصّحيّ والإيجابي وعلى أمن المجتمع وسلامته، فالمعلومات الزائفة، كالعلِم الزائف، قد تكون مُدمّرة.
(الراي)