شد انتباهي تداول لفظ " شيخ " ومكانة الشيخ أي " الشيخة " منذ زمن بعيد ، وتمنيت على كاتب له مكانته الخاصة في نفسي أن يخوض بقلمه عباب هذا اللفظ بأسلوبه المميز ، ولما أحجم عن ذلك لأسبابه الخاصة ، تجرأت على كتابة السطور التالية .
ورد لفظ شيخ بصيغ مختلفة في القرآن الكريم ، وهي الآيات 23 من سورة القصص ، و 72 من سورة هود ، و 78 من سورة يوسف ، و 67 من سورة غافر ، لتعني الشخص كبير السن . وتجمع معاجم اللغة العربية القديمة وعلى رأسها " لسان العرب " و " القاموس المحيط " و " الصحاح " أن الشيخ هو من استبانت فيه السن ، وقيل : هو شيخ من خمسين أو إحدى وخمسين إلى آخر عمره ، أو إلى الثمانين ، ويضيف البعض صفة ظهور الشيب . ويقال : شيخ المرأة أي زوجها . ويقول الجوهري في صحاحه : شيّخته : دعوته شيخا للتبجيل . وبذلك يكون كبر السن هو الأساس في إطلاق مسمى شيخ . ويقال : شيخ الرجل : أستاذه أي معلمه الذي أخذ عنه العلم ( استاذ لفظ فارسي يعني معلم ) .
امتد في عصرنا الحالي معنى لفظ شيخ واتسع ليطلق إضافة لما سبق على رئيس القوم وإن لم يكن كبير السن ، كما يطلق على زوجة الشيخ مسمى شيخة ، ولها مكانة اجتماعية فقط . ولا يوجد ما يشير إلى أي معنى ديني أو منزلة شرعية للشيخ أي للكبير سنا ، بل أن لقب شيخ يطلق في لبنان على زعماء من المسيحيين ، إضافة لزعامات مسلمة حتى وإن كانوا من صغار السن . ويقال : شيخ القبيلة أو العشيرة لزعيمها ، وعادة ما يكون أكبرها سنا ، ويقال : شيخ مشايخ لأكبر شيوخ عشائر كثيرة العدد . ويطلق في بعض الدول العربية مصطلح شيخ الحارة على كبير سكان الحي منزلة وسنا ، وتسند له بعض الواجبات من قبل الهيئات الرسمية.
يعود الجمع بين صفة كبر السن والزعامة أي إطلاق لفظ شيخ على الزعيم القبلي أو المحلي إلى فرضية تمتعه بالحنكة والحكمة ، نتيجة خبرته التراكمية بالأمور العشائرية بمختلف جوانبها عبر سنوات عمره الطويلة ، ويحوي التراث العربي الكثير من قصص وحكايات تدلل على اكتساب الإنسان للخبرة والدروس التي يتلقاها في حياته ، ومن معايشته للعباد وتجواله في البلاد ، وينال كبير السن في قومه منزلة رفيعة خاصة ، وفي العادة يرث زعامة قومه كابر عن كابر ، ويدين الجميع له بالطاعة ، ويفترض أن يكون على خلق وحسن قيادة وكرم ونخوة ، وميسور الحال بما يتناسب ووضعه القيادي والاجتماعي .
يمكن تعليل إطلاق مسمى الشيخ على عالم الدين الإسلامي إضافة لما ورد سابقا من أن الشيخ هو المعلم ، إلى أن تحصيل علوم الدين كان يستغرق وقتا طويلا ، وعليه سيكون العالم رجلا في الخمسين أو أكثر من عمره ، وتبدو عليه مظاهر كبر السن نتيجة إطلاق لحيته ، وعدم صبغ شيب شعره ، وارتداء ملابس مميزة كالجبة أو العباءة والعمامة مما يضفي على العالم ملامح الرجل المسنّ .
يقوم الشيوخ الحكماء ، والشيوخ العلماء ، و الشيوخ الوجهاء ، بأدوار هامة وخطيرة في مجتمعاتنا العربية وإن بدأت بالتناقص والانحسار ، إلا أن بمقدورهم تقديم النصح والإرشاد والتوجيه لما يتمتعون به من منزلة رفيعة بين الناس .
haniazizi@yahoo.com