امتلأ الأردن الجديد بالجدُد، فلدينا تربويون جدُد، وامتحانيون جدُد، والآن: الحزبيون الجدُد!
فما هم الحزبيون الجدُد؟ ومن هم؟
الحزبيون الجدُد- بحدود ملاحظاتي- هم قيادات في معظمها طموحة- ولا أريد وصفها بشيء آخر خشية المساءلة- إذن؛ هي طموحة لم تلد من معاناة سابقة، ولم تعاني من قهر سابق، أو اعتقال سابق، أو بهدلة سابقة، ولا أقول: ليس لها تاريخ نضالي، هذا ليس من شأني، مع أني ألاحظ أشخاصًا عاديين مدفوعين بدوافع ذاتية، ولا أقول شخصية خشية المساءلة، مع أنّ الأغراض الشخصية مشروعة في أي نشاط ولا تتعارض مع أغراض وطنية!
في سنة ١٩٩٥ حين نشطت أحزاب وطنية تدافع معظم المديرين ومعظم الأمناء العامين- وأنا منهم- وكبار الموظفين، أملًا في منصب وزاري أو درءًا لأذى وزير سبق إلى الحزب.
امتلأت الأحزاب -خلافًا للسدود- من أول شتوة، وحين أُسقطت الأحزاب تخلّى عنها جميع أعضائها، وعادت فارغة كالسدود.
إذن؛ لدينا تجربتان حزبيتان: الأحزاب السّرية وقادها مناضلون، وأُفشلت بقسوة أخافت كل أردني من كلمة حزب!
ثم الأحزاب الوجائهية بقيادة كبار مسؤولين سابقين تمّ إفشالها ببعض لين، وبعض حسد! وقديمًا كان في الناس الحسد!!
وجاءت التجربة الثالثة بهندسة غير متقنة، وبقيادات من الصف الثاني أو الثالث، لم تستطع إغراء أحد، وعانت هذه القيادات في التواصل وفي إقناع أي أحد، فطلبوا الفزعة من الأصدقاء، وكان خطابهم: نحن مع الوطن، قلبنا يوجعنا عليه، وبعضهم تجرّأ وذهب إلى محاربة الفساد والمحسوبية. لا فرق بين حزب وحزب إلّا بالمسافة من السلطة أو باسم من يدير الحزب،
وضعت بعض الأحزاب برامج شبابية وتربوية واقتصادية، وكانت في معظمها إنشائية لغوية.
واعترافًا: نجح بعضهم في جمع أعضاء لا يريد منهم الحزب إلّا بطاقة هوية، فمن قَبِلَ الالتحاق لم يسأل ما رؤية الحزب؟ ومن سأل قالوا له: لعيون الوطن والقيادة، ولا يبني الوطن غير رجاله! هكذا قالوا لهم في اجتماعات تحضرها نساء!!
سألت مرة شخصًا يريد ترشيح نفسه للبرلمان: لماذا تريد أن تترشح؟ أجاب: مثلي مثل غيري!!
وهكذا: سلّم بعضهم هويته ليكمل العدد، أو لكي يرشحه حزبه لانتخابات أو مركز!!
نأمل أن يكون لدينا أحزاب، مع أن الأحزاب تولد من نضال! ولكي لا نذهب بعيدًا، لنتّفقْ من هو المناضل؟ المناضل هو:
- من كان عريف صفِّه في المدرسة، أو من ناقش أستاذًا، أو عاقبته مدرسته، أو جامعته بإنذار، أو تزعم شلةً، أو علّق إعلانًا معترضًا على قرار، أو وقّع عريضةً تطالب بإعادة طالب مفصول!!
- من عمل موظفًا وقدم مشروعًا تطويريّا، أخاف مديره فعاقبه بنقل تأديبي، أو إنذار، أو حسم راتب ولو ليومٍ واحد.
- من مشى في مظاهرة تهتف ضد ارتفاع سعر التفاح والبصل وغيرها، وتعرّض لاعتداء جسدي ولو بخدش أو رمية بحجر.
- من له تجربة حزبية سابقة وذاق طعم السجون والمعتقلات، وهؤلاء تأدبوا جدّا حرصًا على مستقبل أبنائهم وأحفادهم.
- من وقّع عريضة تطالب بحقوق المرأة والعامل أو حقوق الإنسان.
- من لم يشترك في أي حفل نفاقي، ولو تأييدًا لمدير مدرسته أو المحافظ.
هؤلاء ما عنيت أنهم مناضلون، فهل حصلت أحزابنا على مناضلين؟ طبعا! هذا لا ينطبق على الشباب، لأن خبرتهم العمرية محدودة، فلهم كل الحق أن يكونوا حزبيين! ويبقى سؤال: كيف يبدأ حزب بإعلان أنه ضمّ مئاتٍ من غير المناضلين في ليلة الإعلان عن قانون الأحزاب؟ أو كيف نفهم انشقاقات قبل بدء العمل؟
هل نجحت في توصيف الحزبيين الجدُد؟
الحزبيون الجدُد ليسوا من فريق الغزلان!!