ضاع جواز سفري ثلاث مرات في حياتي ، وحكاية جواز السفر يعرفها الذين يضيعونه في عواصم العالم ، خصوصاً ، من بين الصحفيين الذين يطيرون من بلد الى اخر.
ذات مرة في منتصف التسعينات ، وفي مطار هيثرو في لندن ، كنت في السوق الحرة ، واذ جلست انتظر موعد الطائرة العائدة الى عمان ، فتحت حقيبتي لاخراج شيء ما ثم اعدت اغلاقها ، وقمت من مكاني باتجاه آخر. كثير الحركة كحالتي يدفع الثمن دائماً. لحظات مرت ، وكنت قد ابتعدت عن موقعي الاساسي ، تفقدت جواز سفري فلم اجده ، فشعرت بهلع شديد ، فلا الجواز معي ، ولا انا قادر على العودة الى عمان ، ولا حتى الرجوع الى لندن ، وسأبقى اسابيع ربما في السوق الحرة ، متذكرا اغنية مارسيل خليفة.. "وقفوني ع الحدود"،.
مرت انجليزية شقراء ، لا هندية ولا بنغالية ، وقالت هل فقدت شيئا؟ قلت لها جواز السفر؟ فقالت هناك موظف من الخطوط الكندية التقط جوازاً عن الارض فأذهب الى مكاتبهم لعله يكون جوازك ، والمسافة من مكاني الى مكاتبهم استغرقت ركضاً ثلاث ثوان ، كأرنب مذعور ، واذ بالخطوط الكندية لديها ستة عشر جواز سفر ، اوقعها اصحابها قرب مكاتبهم ، وبعد بحث ظهر الجواز ، وكان قد بقي فقط نصف ساعة على اغلاق باب الطائرة ، اخذت الجواز ، ووصلت الطائرة منهاراً ، ولربما لم اصحُ من القصة حتى وصلنا الى عمان.
ذات يوم في بغداد ، وفي فندق فلسطين ، واذ بي لا اجد جواز السفر في غرفتي ، وبعد بحث مطول لم يظهر الجواز ، وصرت اضرب اخماسا في اسداس ، ومن شدة اليأس وكانت الساعة السادسة مساء اخذني صديق اردني مقيم في الموصل الى مطعم معروف للكباب في بغداد للعشاء ، وانا ارجوه ان لا اذهب ، فأنا بلا جواز سفر ، ومزاجي اسوأ من شتاء بلا موعد ، ومشكلتي هي في العودة الى عمان ، غير انه بقي مصراً حتى ذهبنا ، انا اتقلى وهو بارد الاعصاب.
دخلت لصلاة العشاء في المسجد المجاور ، صلينا العشاء ، بقيت سارحاً صافناً في مصيبة الجواز المفقود ، حين خرجت من المسجد حدّق في عراقي عجوز نوراني الوجه وقد استطالت لحيته ، وملابسه رثة جداً وبيده عصا وبالكاد يمشي ، وسالني بعراقيته: اش بيك ياولد؟ لم اجبه. فقد قرأ الضيق على وجهي ، سكت لحظات ثم قال: جواز سفرك خلف المرآة في غرفتك ، وخرج ولم يلتفت الي ابداً ، اما صاحبي فقد انفلت من الضحك واصفاً العجوز بكونه مجنوناً او مخبولا ، وعدنا الى الغرفة معاً ، وكانت المفاجأة حقاً ان الجواز كان واقعاً خلف المرآة على الارض بطريقة غريبة جداً ، ولربما من يومي لااعرف كيف اكتشف العجوز المشكلة ، وكيف قدم الحل ، ليبقى صديقي حتى اليوم ، محمّلا اياي الجمائل لانه اخذني لمطعم الكباب الذي اخذنا للصلاة ثم لاكتشاف الجواز،.
في قصة ثالثة كنا وفداً صحفياً عربياً ، في بروكسل ، واذ كنا في الفندق جاء مسؤول الوفد ووزع جوازات السفر على الاعضاء بعد وصول كل الوفد ، اخذت جوازي وطوال الزيارة لم اتنبه الى انه اعطاني جوازاً ليس لي وانما لشخص تونسي يحمل ذات اسمي الاول ، وكانت المفارقة ان التونسي اخذ جوازي ، ولم يتنبه اي واحد فينا الى ان جوازه ليس معه ، اذ دس كل واحد الجواز في جيب البذلة ، معتبراً ان الجواز جوازه.
مرت ستة ايام ونحن في نشاطات متواصلة ، وكأن عمى البصيرة نال من كلينا ، فلا احد تنبه ، ولم يتم التنبه للجواز الا في اليوم الاخير حين قمت بتعبئة استمارة تم جلبها لتقديمها لمطار بروكسل الدولي عند الخروج ، فاستبد بي الهلع حين سألت عن جوازي وعن صاحب الجواز التونسي فقيل لي في البداية انه انهى زيارته وغادر لزيارة قريب له في بلجيكا ، ويا له من شعور ، اذ تكاد ان تختنق في فندق "رويال وندسور" حتى تبين لاحقاً ان الرجل التونسي موجود ، وانه لا يعرف عن كل القصة ، ومنشغل بشراء الشكولاته لاطفاله. الكيلومترات القليلة بين الفندق ومطار بروكسل الدولي ، كانت كألف عام مما تعدون.
حين تفقد جواز سفرك وانت وسط ملايين الوجوه التي لا تعرفها ولا تعرفك ، تصبح مجرد رقم،.
mtair@addustour.com.jo
(الدستور)