أمسكت الأنامل ذلك القلم المطيع ... وكتب القلم ... ونقل صوراً وأخباراً وأحاديث وأشعارا........ ولكن...... من أين نقلت أخبارك أيها القلم؟ وكيف وصفت ومدحت وهجوت وبشرت وهنأت ونعيت ؟؟ وكيف تنقلت بين الحروف والكلمات؟ وكيف أطعت أوامر ملقنك؟؟ يا هذا القلم الرقيق الدقيق... ألديك قوة خارقة أم لديك نفوذ ؟ أم تمتلك سحراً عجيباً غريب !
فتسيطر وتحذر وتخيف وترفع وتخفض وتطفئ وتفجر وتثير وتنير وتستشار فتشير ؟ كم من الشخصيات البارزة تجري خلفك وتستجدي رضاك ؟أو تمحو من سجلاتك؟ وما هي علاقتك بالتاريخ؟؟ .. وكيف رسمت حدود الجغرافيا وتضاريس الأماكن ... ؟؟ وكيف عدلت بين الفنانين والشعراء ؟
وصرخت بلسان حال الضعفاء وصورت جبروت الأقوياء ؟ وكيف تغلَّب الحرف على الاستغلال والجشع والظلم والجوع والطمع ؟ وبذر السعادة في أرض بورٍ جرداء لا تتكرم عليها الغيوم بسد رمق.... فضحك نيسان رغم عبوس الزمان واخضرّ المكان رغم القحل والمحل ... كيف تعدل فيعتز بك الفقير والغني وتملأ حبرك من جبين جندي مرابط وفلاح خشن الأنامل ناعم الأحلام .... وها أنت أيّها الساحر والثائر والماضي والمستقبل والحاضر تقبّل الورق كما تقبِّل الشمس أرض بلادي .. وتسقي الزهور بالحقيقة وتبشّر العصافير بالحرية وتخبر أوراق الياسمين عن سر الندى وتقرض إشراقة الشمس الأمل وتستقرض من السنديان العتيق صمته الحكيم ومن قطوف الدوالي عذوبتها ومن التين والزيتون القسم بنون والقلم وما يسطرون.... ومن حبات الزيتون بركتها فلماذا يحملك المسطرون والمسيطرون؟........... وكم سطروا حروفاً و أشكالاً وأرقاماً وروايات وحكايات هادفة وساخرة من حماقة الزمان وجبن بعض المواقف ومفاخرة بكثير من المواقف وأماكن الشجاعة ومواطئ البسالة !!! فيا هذا القلم كم أحسدك وقد جمعت كل الألوان والأشكال والأجناس والأزمان ودللت الحروف وبرّجت الكلمات وترجمت المفردات يا صاحب الفضل الكبير والمعروف السابق واللاحق عجبت لدورك ! ..تعبّر عن الحرية اللا محدودة على حساب الفضيلة وتهجو الرذيلة وتحاربها ثم تنقلها باسم العولمة والانفتاح ..فحولت الزمن ليلاً لا يتبعه صباح.... نشرت الورود والعهود والعقود .. .. وتاريخ الآباء وتراث الجدود يا هذا القلم الساحر أنت صديقي ورفيق فرحي ودواء جرحي وأنت ألمي وفرج همي رغم تناقضك وتلونك وبعثرة مهامك.. تظل الصديق المطيع حبراً كنت أم رصاص لاتعني لي إلا الإخلاص فإن كنت حبرا فما أصعب محو الحقيقة رغم محاولات طمسها ... وإن كنت قلم رصاص فكيف نمحو أثرك إذا أصبتنا في الصميم ؟ كثيرة هي الشخصيات العالمية والقيادية الفذة التي تسلقتك لتصل إلى أعالي القمم وكثيرة الأعلام التي أطحت بسواريها فانزلقتْ في الحضيض!أما أنا فما تسلقتك يوماً فمكانك دوماً وسام على صدري فكيف ستخبر عني ؟ فلقد أحببت وطني إلى حد الجنون..
واخترتك صديقا صادقا وفتحت آفاق التعبير وحطمت قيود هذا الزمان الذي أحاط الكون بغوغائية الغناء والفضاء والتكنولوجيا وحارب الحبر والكتاب ودور المكتبات وبنى سياجا من الطرب والرقص والسهر ....ورغم القيد والحارس والمسافة والبوابة المغلقة.... ستظل أنت الفارس و الحارس وأنت القاضي الذي يستعين به التاريخ لينطق حكمه فاحذر يا قلم الأمة العزيز إحذر ولا تجعل حبرك أسوداً بل أزرق اللون كزرقة سماء بلادنا العربية العزيزة وصفاء مياه نهر الأردن وروعة النيل وطهارة دجلة والفرات اكتب أيها القلم فما أجملك حين سجلت عروبة محمود درويش .. وكفاح الشهداء في كل مكان وحزن بغداد الأسيرة وبؤس الأقصى وصبر كنيسة القيامة وصمت الجدار العازل في فلسطين... وحين سجلت صدى طلقة الثورة العربية الكبرى التي أطلقت من رحم الحرية والمبدأ الثابت ... وما أصدقك حين تخبر بروعة بلادي وعذوبة الشعر وكيد الأعادي ...وعرق جبين الأنباط يشهد لك بالصدق في البتراء... إذاً فلتسجل أيها القلم ها هنا أرض الحقيقة وها هنا موعد غابر وقادم ومتجدد مع عشاق السلام والأمن والهناء ودار الأردن مضافة للفزعة وحسن الضيافة فحارس دارنا عين لا تنام وقد غفلت عيون كثيرة .... وباتت عين حارس دارنا وِرد يقصده كل ظامئ ... والحقيقة ها هنا دواةٌ لكل قلم حر وناطق.....