انتخابات اردنية من ثانوية الكرك الى جامعة جون هوبكنز
د.عبدالفتاح طوقان
11-11-2010 05:59 PM
الانتخابات الاردنية الاخيرة نموذج الارتقاء بالعمل السياسي الاردني الحقيقي الذي
انتقل من مرحلة الارتهان الى التنظيمات الفلسطينية و العقائدية من امثال حماس و
الاخوان المدعومتان خارجيا الى مرحلة الاستقلال و هي مرحلة يعبر عنها الفائزون من
ابناء الاردن الحر و يمكن تعريفها بمرحلة "التمثيل الوطني المستقل " و اقصد الوطن
الاردني.
هذه الانتخابات الغت "التدخل السياسي الخارجي " الذي هو مرفوض اصلا و لم يكن له في
الاساس رؤية لاصلاح الاوضاع السياسية و الاقتصادية بقدر ما كان يخدم الاجندات
الخارجية التى تضر بالعيش الكريم المشترك و الدولة العادلة ، و كان يكرس الانقسام و
التفرقة و يستهدف المشروع الاردني و يأخذ من حصة ابناء الوطن .
هذه الانتخابات هي البداية الحقة للمشروع الاردني الديمقراطي ، و لأحقية الممارسة
السياسية للكوادر الاردنية الشابة .و تمثل نتائج الانتخابات الرغبات الشعبية فهي قد
افرزت شرائح حقيقية من المجتمع الاردني بدءا من مرشحة الكرك التى تحمل الثانوية
العامة الى مرشحة عمان التى تخرجت من جامعة جون هوبكنز الامريكية الى سيدة بسيطة من
مدينة العقبة الساحلية .
كل منهن لها بصمات و مؤيدين وحضور متميز في دوائرهن و يحملن افكارا و انطباعات و
امال من انتخبهم . و نجاحهن يمثل الثورة على "مرشحي البزنس : و سارقي اموال الشعب
اللذين كالوا بالملايين في جيوبهم و حصدوا مقاعد مشتراه في انتخابات سابقة . اليوم
هو يوم عودة الوعي السياسي .
تلك العينة النسائية التى فازت بالانتخابات مع تزامن سقوط وزراء و نواب وزراء و
رجالات دولة و اصحاب مال و نفوذ دليلا واضحا على ليبرالية النهج و التمثيل الشعبي
الحق و هو بلا ادنى شك برلمان سيلعب دورا هاما في التشريع و المحاسبة و التدقيق على
الاعمال الحكومية ، رغم بعض من الاصوات النشاذ التى يسيطر عليها الفكر السلبي و
التمثيل المشروط بالموافقة و الامداد المالي من الخارج و التى تشكك في الانتخابات
"نزاهة و نتيجة" و تدعو الى اعمال شغب و تكسير.
لقد ظلت الانتخابات في النقابات المهنية و في المجلس النيابي رهينة التنظيمات و
اسيرة احزاب عقائدية لها ارتبطات و ميول خارجية الى الدرجة التى اصبح الاردني متأزم
في حياته فأتت تلك الانتخابات مجردة من كل تلك التفاعلات ، و سقطت سيطرة التنظيمات
على الساحة المحلية التى كانت لديها اشكالات طالت الحياة الاردنية السياسة .
ان بروز فائزون جدد اكثر من خمسون بالمئة من عامة الشعب ، و البعيدين عن المال
السياسي و رجالات "البزنس "السياسي و شراء الاصوات و المال الساخن القذر و غيرها ،
لهم اليوم المدعون لتنسيق المواقف و خوض تجربة التمثيل الحقيقي للشعب انطلاقا من
تعريف الديمقراطية "حكم الشعب للشعب " على اسس من العلم و المعرفة و القانون و
سيادة الدولة .
لقد انتزع الفائزون الجدد الحقوق الاردنية التى ظلت محل امزجة تيارات خارجية و هددت
النسيج الوطني و بشرت بالوطن البديل . اليوم هؤلاء النواب في مواجهة المعادلات و
المتغيرات الاقليمية ، و في مجال التوافق و التطابق مع الرغبات الاردنية الشعبية
لاجل وطن مستقل و سيادة و كرامة. وطن يؤمن بالعيش الكريم و يحمي الحقوق و يدين
بالولاء لمؤسسة العرش و الانتماء للمملكة الاردنية الهاشمية .
نتحدث هنا عن تنظيمات فلسطينية و ليس عن فلسطينيين يحملون الجنسية الاردنية، و
نتحدث عن تيارت دينية و ليس عن متدينيين و الفرق كبير بين كلاهما.
ان "الهم اليومي" هو محور نقاشات البرلمان الجديد عوضا عن فوضى البرمجة السياسية و
عويل صاخب متردد لصدا خارجي والتى عاثت سابقا في مخيلة بعض ممن ارتبطوا و نجحوا
باصوات التنظيمات الفلسطينية و المحاور الخارجية و التيارات العقائدية الموحى لها
من الخارج.
هذا البرلمان هو تصحيح لاخطاء الماضي ، و هو صورة مشرفة لانتخابات نزيهة اجرتها
حكومة دولة سمير الرفاعي، و هو بداية التغيير في النهج و في العمل الديمقراطي
الاردني الذي تمت محاصرته لسنوات .
و لاشك ان تركيبة وتشكيلة الاعيان و رئاسة مجلس الاعيان الجديد لن تأخذ من حصة
لاحد على حساب احد و ستعيد الامور الى نصابها الصحيح ، و ستكون متوائمة مع حركة
التصحيح الشعبي التى افرزت نوابا من الوطن و لاجل الوطن.
aftoukan@hotmail.com