فيلم "الحارة": أحزان عمّان الشرقيّة
د. موسى برهومة
13-01-2023 11:50 AM
يُثبت المخرج باسل غندور اقتداره وتفوّقه من خلال فيلم "الحارة" الذي شارك فيها ممثّلون أدّوا أدوارهم باحترافيّة، واقتربوا من نبض الحدث، لأنّهم ببساطة اقتربوا من نبض الحياة.
غندور كتب الفيلم وأخرجه، وسبق له أن شارك في كتابة فيلم "ذيب" مع مخرجه ناجي أبو نوار، ما يعني أنّنا أمام موهبة متميّزة تعدّت الحدود المحليّة، وصارت تُشارك وتُزاحم وتُنافس على جوائز في مهرجانات دوليّة مرموقة.
سلّط فيلم "الحارة" أضواءً ساطعة على ليل منطقة شعبية في شرق العاصمة الأردنيّة عمّان، وأماط اللثام عن المسكوت عنه، واشتبك مع المحذوف في حياة ذلك الحيّ الذي تسيطر عليه عصابات، وشبكات إجرام وانحراف، شأنه في ذلك شأن الكثير من المناطق التي يسود فيها الفقر، وتعاني من التهميش وغياب العدالة والتنمية، وانعدام أو تآكل بيئة العيش الآدميّ النظيف، وهو ما يساهم في "حَيْوَنة الإنسان".
وسواء وُفّق غندور في تجسيد الواقع بلا أقنعة أو مساحيق، أو أخفق في ذلك، إلا أنّه قدّم لنا عملاً فنيّاً مدهشاً لمعت فيه الموهبة لجهة تماسك النصّ والسيناريو، وبراعة الكاميرا التي صوّرت غالبية مقاطع الفيلم في العتمة، والفسحات الضيّقة، والأزقّة، كما تمكّنت تلك الكاميرا الذكيّة من أن تُضفي مشهديّة بارعة على عمّان الشرقيّة بكلّ أحزانها، وبما يختزن في أعماق سكّانها من قهر قد يحوّلهم إلى مجرمين بالصدفة.
التمثيل في الفيلم كان مبهراً، ورأينا منذر رياحنة في الدور الذي يحبّه ويبدع فيه، كما أطللنا على ممثّل سيكون له باع وأثر كبيران هو عماد عزمي، ولا ننسى الحضور الكثيف والثريّ للفنّانة القديرة نادرة عمران.
يستحقّ طاقم التمثيل الإطراء والتقدير، وبخاصة ميساء عبد الهادي التي تتقدّم بجرأة في أداء دور صعب لا يقلّ صعوبة وعنفواناً عن دورها في فيلم "صالون هدى"، كما برعت في أدائها العفويّ بركة رحماني، ونديم الريماوي، ومحمد غسان، وسواهم ممن أسهموا في عمل أثبت أنّ الفن لدينا لا يشكو من مبدعين، بل من رعاية واهتمام وتقبّل وتشجيع.
الفيلم ناجح، ولا يعاني من ترهّل، أو خطابيّة، أو شعاراتيّة. ولم يأتِ استقباله عالميّاً في مهرجانات دوليّة مرموقة، كرمى عيون المخرج أو طاقم العمل، بل لأنّه ترك أثراً أرجو أن يُصاحب كلَّ من يطلّ على هذه التجربة السينمائيّة الشجاعة.
أمّا ما أثير عن "ألفاظ نابية" و"مشاهد تخدش الحياء"، فقد صارت هذه المعزوفة المملّة تصيبني بالرغبة في القهقهة السوداء. ولن أصرف وقتاً في الردّ على ذلك، والتأكيد بأنّ السينما والرواية والفنّ، عموماً، يغرف من بحر المجتمع أو بحيرته أو مستنقعه. المهم أن يكون الغَرْف، أو التناول إبداعيّاً لا يُسرف في التراجيديا والآكش، ويحترم عقل المشاهد من خلال بناء مُحكم، ومعالجة فنيّة خلّاقة وماهرة تستجيب للشغف الذي دشّنه الفنّ السابع.