كتابان صدرا حول العنوان اعلاه، احداهما بعنوان القيصر الجديد للكاتب ستيفين لي مايرز، والثاني بعنوان روسيا الأوراسية لمؤلفه وسيم قلعجية، يستفاد منهما كما اعتقد بفهم وتحليل الطاولة الرملية لروسيا الاتحادية بقيادة رئيسها الحالي فلاديمير بوتين الرمز والكاريزما الشجاعة، والاشبه بشخصية القائد الميداني البطل في الحرب العالمية الثانية جيورجي جوكوف، وهو الذي اعتلى صهوة السلطة في بلاده في زمن عاصف متقلب هي بحاجة اليه ولمن مثله الى الأمام في العمق القادم، ولما يتصف به من حكمة وصلابة وقدرة على الصمود امام التحديات الصعاب في وجه الحرب الباردة التي يراد لها ان تكون طويلة وحتى أبدية، ولتتحول الى ساخنة نووية ان لزم الامر للتخلص من روسيا القطب والميزان والمفسر للقانون الدولي بصورة مختلفة عن رؤية الغرب الامريكي قائد الحرب الباردة، وما الحرب الاوكرانية الدائرة والتي انطلقت بداية على شكل مؤامرة غربية وغرب اوكرانية من قلب العاصمة (كييف) قبل واثناء وبعد انقلاب عام 2014 وعبر الثورات البرتقالية، وعلى شكل عملية عسكرية روسية خاصة دفاعية، استباقية، غير احتلالية، انقاذية لمواطني شرق وجنوب اوكرانيا ولبلادهم من سطوة سلطة (كييف) التي خططت وعملت على ضمهم قسرا وتسببت في قتل وتشريد أكثر من 14 الف مواطن منهم، وعمل الغرب على بسط هيمنته عليهم، وتمرير مشروع توسعة مساحة وامتداد حلف (الناتو) صوبهم، وهو المعادي لجارتهم التاريخية روسيا الاتحادية، والعمل من تحت الرماد على الحاق الأذى بها عبر حركات خفية اكتشفت لاحقا مثل (صناعة قنبلة نووية) وغيرها منخفضة القوة، ونشر مراكز بيولوجية خطيرة فوق الاراضي الاوكرانية بقصد استهداف الشعوب السلافية (السوفيتية السابقة) وروسيا، والتأمر على اوكرانيا وروسيا معا وعلى شعوبهم الشقيقة لبعضها البعض، ومحاولة اجتثاث الحضور الروسي في اوكرانيا من خلال طرد آخر رئيس موالي لهم مثل فيكتور يونوكوفيج، والذهاب لإمتهان كل اساليب التخريب، والاغتيال، والامثلة هنا كثيرة مثل ( اغتيال الصحفية داريا غودينا، وتفجير جسر القرم وخط الغاز نورد ستريم 2، وتفريغ الاسواق الروسية من الانتاج الاجنبي، والدعوة لترحيل يهود روسيا الى الخارج، وغيرهم الكثير ) .
ولقد تضمن الكتاب الأول (القيصر الجديد) تسليط الضوء على بزوغ عهد فلاديمير فلاديميروفيج بوتين، وسيرته الذاتية، وقصة وصوله للسلطة، ومؤلف الكتاب ستيفين لي هو مراسل صحفي لصحيفة نيويورك تايمز لمدة 26 عاما، عمل سبعة اعوام منها في روسيا خلال فترة توطيد سلطة بوتين، وطبع الكتاب عام 2014، وترجمه الى العربية تيسير نظمي عام 2018، ويروي الكتاب ولادة بوتين عام 1952 في مدينة ليننغراد، ولولادته قصة اخرى اعرفها لم يذكرها الكاتب وهي عثور والده فلاديمير على والدته ماريا الجريحة في الحرب العظمى – العالمية الثانية 41 45 وانجاب بوتين منها، وله شقيقان ( اوليغ ) و( فيكتور )، توفي الاول رضيعا، والثاني توفي بسبب مرض الدفتيريا ابان حصار ليننغراد المعروف والمرعب الذي تسبب في مقتل اكثر من 600 الف مواطن سوفيتي وقتها مرضا وجوعا وجراء المعارك الطويلة مع النازية الالمانية، ويذكر الكاتب ستيفين بأن والد بوتين كان طباخا حيث عمل عند ارملة فلاديمير لينين ( ناديا ) وعند ستالين، وهما زعيمان الاول منهما كان مفكرا وقاد الثورة البلشفية والثاني قاد مطاردة أودولف هتلر وحلفه النازي الى عمق برلين ورفع العلم السوفيتي المنتصر فوق مبنى الرايخ ( البرلمان الالماني ) عام 1945، وجيورجي راسبوتين – قاريء الفنجان، ويروي كيف تم تعميد ( بوتين ) سرا، وبعد مشاهدته لفيلم ( ابيض اسود ) عن رواية الدرع والسيف، قرر أن يعمل علنا في سلك استخبارات بلاده ( كي . جي . بي ) عام 1975 وقبل ذلك سرا في مدينة دريزدن في المانيا الشرقية لصالح السوفييت، ودرس الحقوق، وتزوج لودميلا عام 1983 ،وانجبا ماريا وكاترين، وصعد سلم العمل الاداري الجامعي في مدينته (ليننغراد) .
ويتحدث الكتاب الثاني حول روسيا الأوراسية زمن الرئيس بوتين، ويرصد انهيار الاتحاد السوفيتي – الكارثة الجيوسياسية الأكبر في القرن العشرين، وتحديدا عام 1991، وهو الأمر الذي تسبب في تأسيس روسيا الجديدة – روسيا بوتين، وبعلاقات مختلفة مع العالم، وسجل التطورات السياسية في عهده منذ عام 2000، ورصد الكتاب كيف ساهم وجود بوتين في صنع القرار وبأسلوب مختلف مع أمريكا، لكنه لم يأتي (والكلام هنا لي) على ذكر العرض الذي قدمه بوتين لأمريكا بدخول حلف (الناتو) لغرض انهاء الحرب الباردة وسعير سباق التسلح لتنهض روسيا الاتحادية الى جانب الولايات المتحدة الأمريكية اقتصاديا، وليتعافى العالم بعيدا عن الأزمات والحروب، وكأنه قد تنبأ بحرب ( أوكرانيا ) عام 2014 قبل حدوثها، وأحدق نظره بإدعاء أمريكا بانتصارها في الحرب الباردة ذات الوقت، وكيف واصل بوتين عمله من أجل تغيير النظرة الدونية لروسيا من طرف الغرب ووسط العالم، ويمعن بوتين في نظرته الاوراسية ثلاثية الأبعاد، الأول منها ( روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في مواجهة الاتحاد الأوروبي)، والثاني (مواجهة المساعي الأوروبية لتطويق روسيا عبر جورجيا وأوكرانيا)، والثالث ( احداث توازن في الشرق الأوسط والأقصى ) .
ويروي الكاتب وسيم صدمة حزن بوتين على انهيار الأتحاد السوفيتي واعتبارها كارثة دفعت باتجاه التحول الى الاوراسية الجديدة، والدفع بروسيا الى ميدان الصراع الدولي عبر خطاب (ميونخ 2007)، وانتقاد بوتين للهيمنة الأمريكية، ومن خلال خطاب الساحة الحمراء في الذكرى 62 للنصر على النازية، وكيف وصف بوتين الخطر الأمريكي بالخطر النازي ووازن بينهما، وتوجه لروسيا نحو أسيا الوسطى، وحدوث تطور للدفاعات الروسية، وقول للقيصر الروسي الكسندر الثالث (ليس لروسيا سوى الجيش والبحرية)، هو قول يكرره الرئيس بوتين في كل مناسبات بلاده وعروضها العسكرية في الساحة الحمراء في أعياد النصر على النازية (والكلام هنا من جديد لي)، وتوجه للأوراسيا مقابل الأطلسية، وكيف لعبت أوكرانيا دور الجدار الفاصل بين روسيا والاتحاد الأوروبي، وتوجه روسيا لدخول منظمتي (البريكس) و (شنغهاي) لتمديد شبكة علاقاتها الدولية والاقتصادية، واعلان حرب ضد الأوراسية عبر انشاء منظمة (غوام) التي ضمت ( أوكرانيا، وجورجيا، وأذربيجان، ومولدافيا )، وظهور بدايات الصراع على أوكرانيا عام 2013، وعلى جزيرة (القرم) عام 2014، والذهاب للاستفتاء على الاقاليم الخمسة (لوغانسك، ودونيتسك ( الدونباس )، وزباروجا، وخيرسون )، والتحرك من اتفاقية ( مينسك 1) صوب ( مينسك 2 ) لضبط الأمن وسط جارة التاريخ أوكرانيا، ودخول حلبة الحرب الباردة من جديد مع الغرب .
وفي الختام هنا وحتى لا اطيل عليكم سيداتي سادتي القراء الكرام يصعب تصور اندثار روسيا الاتحادية حسب سيناريو الغرب، ولا بقاء لأحادية القطب الغربي الأمريكي بعد اليوم وبسبب مرور قرابة العام على الحرب الأوكرانية، والحاضر والمستقبل، وكما اعتقد جازما هو لعالم متعدد الأقطاب، والرأي العام العالمي سيبقى الحكم على مجريات الأحداث العالمية، واتمنى أن تنتهي الحرب الاوكرانية بجناحيها الروسي و (الناتو) الى سلام وتنمية شاملة، وأن تتحقق للقضية الفلسطينية عدالتها الكاملة .