تحتاج نتائج التصويت إلى قدر من التفحص التفصيلي. في السطور التالية, سأحاول تقديم تفسير مقتضب لما حصل من سلوك جماعي نحو تغيير بعض الأسماء التقليدية القوية في عدد لا بأس به من المناطق. وأغلب الظن أنه هنا بالذات يكمن التأثير الأساسي لفكرة الدوائر الفرعية.
فبمجرد إعلان قوائم المتنافسين في الدوائر الفرعية تغير مسار العملية الانتخابية في أغلب المناطق, فأغلب الدوائر الفرعية ضمت متنافسين من كتل اجتماعية محددة (سبق أن أشرت إلى يد خفية وزعت المرشحين بين الدوائر) وهو ما أتاح الفرصة للأطرف المكوّنة داخل كل من هذه الكتل لكي تفكر بمسألة الحجم التصويتي الفعلي لها, ومن ثم أن يتجرأ كل طرف قوي تصويتياً على طرح سؤال لماذا لا يكون هو صاحب الحق في المقعد? أي أن يتجرأ على التحدي الفعلي للأسماء الكبيرة, مسنوداً هذه المرة بعملية حسابية بسيطة لعدد الأصوات.
الواقع أن سيرة قانون الصوت الواحد دفعت دوماً إلى طرح سؤال انتخابي جديد مع كل تعديل يجري على هذا القانون, فسؤال "لماذا لا يكون النائب منا?" تم طرحه منذ عام 2003 عندما جرى "تكثير" عدد الدوائر الانتخابية, ولكن آنذاك كان الاستمرار في طرح هذا السؤال يصطدم بتعدد المقاعد في الدائرة الواحدة الذي كان يدفع العشيرة الكبيرة مثلاً إلى ضبط أطرافها الداخلية وتوحيدها حول "زعيم" بهدف الحفاظ على حصتها في التنافس مع العشائر والكتل الاجتماعية الأخرى.
لكن الأمر تبدل جذرياً في الانتخابات الأخيرة, فتكثير الدوائر وصل إلى أقصى مدى له بعد أن أصبحت مساوية لعدد النواب, وهو ما قاد إلى وضوح أكبر في طرح سؤال "الأحقية بالمقعد" عند الأطراف الداخلية, ولم تعد أموراً مثل المركز السياسي أو الزعامة التقليدية أو السطوة كافية لضمان الإجماع التصويتي الفعلي, ولم تعد هناك ضرورة للخوف من خسارة المقعد إذا فشل "الزعيم", وصار بمقدور فئة ذات قدرة تصويتية عالية ولكنها ليست ذات مركز أو سطوة أن تطمح بالمقعد وتعمل له وتحقق الفوز به فعلياً.
ahmad.abukhalil@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)