يقول نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية وزير الدولة لتحديث القطاع العام ناصر الشريدة، في منطوقه لقناة المملكة إن الهم الأكبر لدى المواطن هو الهم المعيشي والضغوطات التي تترتب، والتي أتت بمجملها بسبب أزمات لم يكن الأردن له علاقة مباشرة بها، مثل جائحة كورونا وأزمة الطاقة والغذاء، والتي نتجت عن الحرب الروسية الأوكرانية، والتضخم الذي عانت منه اقتصادات رئيسية، أي اقتصاد كالاقتصاد الأردني وهو صغير الحجم يتأثر أكثر مما يؤثر في المناخ العالمي.
الكلام صحيح جزئيا، لكن تعميمه غير منطقي، لان الازمات من حيث المبدأ تؤثر علينا، لكنها ليست كل القصة في الاردن، واذا كنا نعرف ان حرب سورية، مثلا، اضرت بالتجارة بين الاردن وسورية، وادت الى تدفق اكثر من مليون شقيق سوري، والحرب في العراق، وتغير النظام عام 2003، ادت الى تغيرات جذرية في العلاقة الاقتصادية مع العراق، فإن النموذجين هنا، وغيرهما من ازمات اقليمية ودولية، لا تنسحبان بخلاصاتهما على تأويل الازمة الاقتصادية في الاردن.
مناسبة هذا الكلام، ان علينا ان نتوقف عن البحث عن مخارج نجاة لتبرير كل شيء، تارة بحروب الجوار، وتارة بأزمات اللجوء، وتارة بالتضخم العالمي، وتغيرات اسعار النفط، لان هناك اسبابا داخلية بحتة ادت الى تراجع الوضع الاقتصادي، وهذه هي الاسباب التي تتوجب الاشارة اليها بكل جرأة بدلا من الهروب الى ازمات الجوار لتبرير اوضاعنا الصعبة.
في الازمة الاقتصادية، لا يمكن ان نلغي عوامل مثل سوء ادارة المال في مراحل سابقة، وغياب خطط التنمية، وغياب المشاريع الكبرى، وكثرة تغير الخطط والاستراتيجيات، وترك كل القطاعات لتتراجع بشكل تدريجي، خصوصا غياب التخطيط في قطاع التعليم، وضعف الخدمات الصحية، والميل الى الاستدانة والتورط في القروض، والتوظيف العشوائي في كل موقع متاح، وزيادة عدد المواطنين والسكان، وتراجع جودة البنى التحتية بشكل تدريجي، وعدم ادارة المنح المالية في فترات سابقة بشكل مفيد، او اكثر جدوى، وعدم استثمار الموارد الطبيعية والسياحية بشكل مثمر، وارهاق القطاع الخاص، والسياسات الضرائبية الجبائية، وهي عوامل من حزمة اوسع ادت الى هذه التراجعات التي نراها هذه الايام.
المعنى هنا ان الوزير قد يكون دقيقا في تشخيصه، لكن تشخيصه غير مكتمل، لانه بطبيعة الحال يتجنب بسبب موقعه الرسمي، ان ينتقد سابقيه من مسؤولين وحكومات، ويرى في ازمات الاقليم والعالم، حلا بديلا في هذه الحالة.
الاقتصاد الاردني صغير ويتأثر بكل ما يجري، كما اشار الوزير وهذا صحيح، لكننا بطبيعة الحال، لم نتنبه الى كل الدراسات الاستراتيجية التي تستقرئ المستقبل، والتحولات التي يتوجب الاستعداد له، في ازمان كانت الظروف فيها افضل، والقدرة على استباق كلف الازمات الدولية والاقليمية، والتغيرات الداخلية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، قدرة متاحة، وفضلنا ان ندير امورنا يوما بيوم، لنصل اليوم الى هذه الهشاشة، بحيث اذا غرقت سفينة قمح اوكرانية قرب ساحل العاج، اغلقت مخابز صويلح والكورة ومؤتة، وهذا امر لم يحدث برحمة الله، لكنه مجرد نموذج عن تأثرنا السريع اليوم.
اليوم اصبحت القصة أكثر تعقيدا، انخفضت المنح والمساعدات، وزادت الديون، وارتفع العجز، وزاد عدد العاطلين عن العمل، والفقر ترتفع نسبه، والقطاع الخاص في العموم مرهق ومتعب، عدا بعض مؤسساته، بما يجعل مهمتنا في إنعاش الداخل الاردني على المستوى الاقتصادي، أكثر صعوبة، بعد ان تزايدت التعقيدات بشكل يعرفه الجميع.
في حالات كثيرة لم تضرنا الازمات، بل استفدنا منها خلال العقود الماضية، لكن الحال انقلب اليوم، بسبب غياب التخطيط الاستراتيجي، والاستسلام لتقلبات الاقليم والعالم، وهي تقلبات لا تتوقف على ما يبدو حتى الآن.
تشخيص أحوالنا يجب أن يخضع للجرأة والشفافية والدقة أيضا.
الغد