من المفترض أن يتحلى الإخوان المسلمين ، وبالطبع معهم حزبهم حزب جبهة العمل الإسلامي ، بالجرأة والشجاعة الأدبية ويعترفوا بأنهم أخطأوا خطأًً فادحاً عندما لم يجدوا إزاء إنقسامهم وارتباكهم الداخلي وحيرتهم ، التي يبدو أنها غدت داءً بلا علاج ، ما يهربوا إليه ويتغطوا به سوى السلبية والاستنكاف ومقاطعة الانتخابات التي ثبت أمس الأول الثلاثاء أنها لم تكن مسبوقة في نزاهتها وصدقيتها والدليل أن رموزاً محسوبة على الدولة لم يحالفها الحظ وأن شباناً صاعدين سمع الأردنيون بأسمائهم للمرة الأولى قد أخذوا أمكنتهم حتى في المناطق العشائرية المقطعة.
لم يعد ينفع الإخوان المسلمين كل هذا التلطي وراء أصابع أيديهم هروباً من مواجهة الحقائق التي غدت تفقأ العيون والتي باتت تُظْهِرُ بلا أدنى شك بأن أوراقهم غدت تعاني من الإصفرار وأنهم لم يعودوا قادرين على تسويق شعاراتهم الفضفاضة القديمة ، غير القابلة لا للترجمة ولا للإعراب ، على الأجيال الأردنية الصاعدة التي هي أجيال الحقائق والأرقام والوقائع الملموسة وأنهم إذا أرادوا ترميم أوضاعهم التنظيمية «المتفلشه» فإن عليهم أن يفعلوا ما فعلته التنظيمات الحية التي أدركت خطر الإستمرار باجترار الماضي وعدم جدوى إستدرار عواطف الناس بتقمص وضعية الضحية فلجأت الى فضيلة النقد الذاتي البناء فتداركت نفسها قبل أن تحين لحظة الإنهيار .
كان على الإخوان المسلمين ، بدل الإسراع للإستنجاد بشاشة فضائية العالم الإيرانية لتجشؤ الاتهامات نفسها التي دأبوا على عزفها كلازمة موسيقية هروباً من مصير محتوم بات يقترب من أعناقهم وذقونهم، أن يعترفوا بكل شجاعة بأن إنتخابات أمس الأول كانت على مستوى إنتخابات دول الديمقراطيات العريقة وأن أرقامها أثبتت صحة توجهات الشعب الأردني وأن نسبة الـ 53 في المئة أفضل وأصدق بألف مره من نسبة الـ 99ر99 في المائة في إنتخابات دول الإنقلابات العسكرية .
والمؤلم حقّاً أننا مضطرون ومجبرون على القول أنه كان على الذين سارعوا للإستنجاد بفضائية العالم الإيرانية وبالفضائية الأخرى التي تشبه تلك التي تتعب الناس بالتحدث عن الفضيلة وهي تدمن ممارسة أبشع أشكال الرذيلة أن تصل بهم الأمور إلى ليَّ أعناق الحقائق حتى حدود الكذب عندما يقولون أن أحزاب المعارضة لم تشارك في هذه الإنتخابات وكل هذا وهم يعرفون والعالم كله يعرف أن ستة عشر حزباً معارضاً قد إتخذت موقفاً إيجابياً تجاه إنتخابات أمس الأول وأن بعضها شارك وحالفه الحظ في الفوز وإن كان فوزاً متواضعاً وإن المقاطعة إقتصرت على حزب جبهة العمل الإسلامي الذي هو حزب الإخوان المسلمين وعلى حزب الوحدة الشعبية الذي خاض المعركة الإنتخابية تسللاً وفاز بمقعد في محافظة الطفيلة المشهورة بأنها مسيسة رغم انها منطقة عشائرية .
ثم وإن ما يعتبر ذروة الإستنجاد بما هو غير صحيح ، وهنا فإننا لا نريد أن نقول شيئا آخر ، إن أحد «جهابذة» هؤلاء قد ظهر على شاشة تلك الفضائية إياها ليقول بدون أن يرف له جفن :» إن هذه الإنتخابات غير شرعية» والظاهر أن الشرعية بالنسبة للإخوان المسلمين هي ما يخدم مصالحهم الخاصة والعامة ولذلك فإنهم لا يعترفون بشرعية ثلاثة وخمسين في المائة من الأردنيين الذين لديهم حق التصويت ولا يتورعون عن تمجيد شرعيات نسب الـ 99ر99 في دول ديمقراطيات الإنقلابات العسكرية .
لا يعجب الإخوان المسلمين ، وهذا ما قاله أحد فرسانهم النجباء لفضائية محمود أحمدي نجاد الذي يعترض على شرعيته كرئيس لجمهورية إيران الإسلامية ثلاثة أرباع الشعب الإيراني ، أن يكون هناك بعد عشائري (بشكل كبير وواضح) في إنتخابات أمس الأول وكأن العشائرية في مجتمع عربي شرقي عيب وعار وكأن البعد المطلوب في هذه الإنتخابات هو البعد الإيراني المشفوع ببركات «الوليَّ الفقيه» !!
(الرأي)