الأمن الغذائي والتغير المناخي
م. مازن أبو قمر
11-01-2023 12:58 PM
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن التغير المُناخي والأمن الغذائي، والآثار المرتبطة بهما، والعلاقة بينهما. ولكن من الجدير ذِكرُه أن القطاعات التنموية المختلفة قد تعرّضت لعديدٍ من الأضرار جَرّاءَ التغير المُناخي وآثاره المرتبة عليه؛ والقطاع الزراعي يُعَدُّ من أبرز تلك القطاعات؛ نظرا لزيادة الطلب على المياه والغذاء، وندرة المياه والجفاف، وتأثر الثروة النباتية والحيوانية والسمكية، والذي يؤدي بدوره إلى تراجع في قدرات القطاع الزراعي من أجل تلبية الاحتياجات البشرية من الغذاء.
وفي هذا الصدد، لا بد من الإشارة إلى أبرز أسباب التغير المُناخي والمتمثّلِ في إنتاج الطاقة؛ لاستخدامها في المصانع والمنازل، بالإضافة إلى المعاملات الصناعية لإنتاج الغذاء والصناعات التحويلية، وقطع الأشجار، والاستخدام الجائر للموارد الطبيعية، واستخدام وسائل النقل، على اختلاف أشكالها، والآثار الصناعية للمصانع، التي ينتج عنها ارتفاع في درجات الحرارة، وارتفاع منسوب البحار والمحيطات، وفقدان الأنواع النباتية والحيوانية، وارتفاع نسب ذوبان الجليد، وزيادة فرص حدوث العواصف، كل هذا يُعَدُّ من نتائج التغير المُناخي؛ الذي يؤثر بصورة رئيسة على تحقيق الأمن الغذائي.
إن التحدي الأكبر للتغير المُناخي يكمن في تأثيره الشديد على القطاع الزراعي، في ظل زيادة الطلب على الغذاء، وندرة المياه، وانخفاض كميات الإنتاج الزراعي؛ حيث يؤدي كل ذلك إلى تحدٍّ كبير يواجه الدول بصورة عامة، والدول النامية على وجه الخصوص؛ في تعزيز الأمن الغذائي الذي ينعكس على قدرتها الاقتصادية، وعلى سيادتها الوطنية وقدرتها على تحقيق الرفاه، وتأمين الغذاء لأفراد المجتمع.
لذا فقد أصبح من الضروري العمل بشكل مشترك بين القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني لتطوير السياسات العامة، ولإجراء مجموعة من التدخلات التي تسهم في خفض الفاقد والهدر من الغذاء، والتصدي للتحديات الناجمة عن آثار التغير المُناخي، وتحسين الممارسات الزراعية، واستخدام التكنولوجيا الزراعية الحديثة؛ لزيادة كمية الإنتاج من وحدة المساحة، بالإضافة إلى تعزيز كفاءة استخدام المياه، والميزة النسبية للمحاصيل الزراعية والتبادل التجاري، بصورة تعزز قدرةَ الدول النامية على إدارة مواردها، ولإيجاد تدابير مناسبة تنعكس على الأمن الغذائي.
إن الأردن يُعَدُّ من الدول المتأثرة بالتغير المُناخي وآثاره، ومما يزيدُ من صعوبة المواجهةِ محدوديةُ قدرته على تحقيق الأمن الغذائي؛ وذلك لعدة أسباب؛ من أبرزها: ارتفاع نسبة الأراضي الصحراوية في الأردن، واعتماد الزراعة على الأراضي البعلية التي تعاني من تفتت الملكية، والزحف العمراني على الأراضي الزراعية أو تلك التي تعتمد على الأراضي الزراعية المروية، والتي تحتاج إلى مصدر مياه؛ لري المزروعات؛ إذ أن معاناةَ الأردن كبيرةٌ في نقص المياه، وانخفاض حصة الفرد منها، بالمقارنة مع المستويات العالمية.
وعلى صعيد آخر فإن الأردنُّ يواجِهُ ارتفاعًا في نسبة الفاقد من الغذاء؛ نظرا للممارسات الزراعية وعمليات ما بعد الحصاد، التي تؤدي إلى فقدان كميات كبيرة من الغذاء، والتي بدورِها تستنزف الموارد والمياه وإلامكانيات الاقتصادية اللازمة للإنتاج، وفي الصعيد ذاته فإنَّ هدرَ الغذاء يعود بنتائجه إلى الممارسات والعادات الاجتماعية والأسرية التي تهدر كميات كبيرة من الغذاء.
إن الأردن يواجه مجموعةً من التحديات الاقتصادية والاجتماعية بسبب التغير المناخي، التي تنعكس على كافة القطاعات عامَّةً، وعلى القطاع الزراعي والأمن الغذائي خاصَّةً؛ لذا جاء الاهتمام الكبير من جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين بقضايا التغير المُناخي، وتوجيه صُنّاع القرار وأصحاب المَصالح، وكافة القطاعات التنموية، من أجل تخفيف آثار التغيُّر المُناخي، والسعي إلى تحسين مُخرَجات القطاع الزراعي، وإطلاق رؤية التحديث الاقتصادي.
إن القطاع الزراعي مسؤولية جماعية، يجبُ التكاتُفُ من أجل حَملِها ورعايتها ودعمِها، ومن ثَمَّ دعم الجهود الوطنية الرامية إلى تحسين مُخرجاتِهِ، وتطوير السياسات العامّة، وحماية المزارعين، والنهوض بالواقع الاقتصادي والاجتماعي للقطاع الزراعي، وتحقيق الأمن الغذائي، إذ أنه أولوية قصوى، لذا لا بُدَّ من العمل ضمن إطارِ خطة وطنية واضحة للبناء على الإنجازات وتنميتها، وتعزيز المُخرَجات، والحد من التحديات؛ للمحافظة على مستوى جيّد من الأمن الغذائي، وزيادة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي.
وتتجلى أهمية القطاع الزراعي والأمن الغذائي بوصفه جزءًا رئيسيًّا من مضامين رؤية التحديث الاقتصادي الوطني؛ نظرا لأثره البارز على الأمن الوطني، والفرص الاقتصادية المُتاحة، وقدرته على توفير فرص عمل، وهو في الوقتِ نفسِه مَنفذٌ مهمٌّ لمشاريعَ استثماريةٍ كبرى، ومشاريعَ زراعيةٍ صغيرةٍ ومتوسطةٍ مُدِرّةٍ للدخل، وتنعكسُ هذه الأهمية من قدرة القطاع الزراعي على فتح أبواب استثمارية نوعيّة على مستوى مناطق الأطراف والمناطق الأقل حظا، ويعمل القطاع الزراعي على النظر في الفرص المستقبلية؛ لوضع خطط إستراتيجية واضحة للقطاعات الاقتصادية وتحقيق النمو الشامل وما يرتبط به من إتاحة فرص العمل وزيادة الإيرادات ورفع مستوى المعيشة للأفراد لضمان نوعية حياة أفضل لأبناء المجتمع الاردني .
إن القطاع الزراعي من القطاعات الحيوية والمهمة، الذي إن اختلفت فيه الآراء في فرعيّاتٍ معيّنة، إلا أنه متَّفقٌ على أهميته من الجميع في دوره الرئيس في المنظومة الوطنية، إذ أن القطاع الزراعي حاضر في كل بيت أردني من خلال السلع والمنتجات الزراعية التي يستهلكها الأردنيين كل يوم، مما يؤكِّدُ أنه قطاعٌ ذو أثرٍ كبير في العملية التنمويّة.