«اورشليم» التي يقيمها العرب!
ماهر ابو طير
09-11-2010 10:02 PM
اذا كانت جيوش العرب وملياراتهم ونفطهم وذهبهم وشعوبهم ، كلها مُحّيدة امام ما يجري في فلسطين ، والقدس تحديداً ، فمن يلام اذن امام هذه المأساة.
سلطة محمود عباس ايضاً ، مثل اي سلطة عربية ، فكلما اعلنت اسرائيل عن وحدات سكنية جديدة في القدس ، وعن سرقة ارض الشعب الفلسطيني ، باتت تكتفي بالقول ان سلوك اسرائيل يهدد عملية السلام.
مرت عشرات السنين ومشروع اسرائيل بتهويد القدس متواصل ، واذ بدأت هذه الايام بجرف الاحياء العربية المحيطة بالمسجد الاقصى ، وبناء كُنس جديدة ، فان المسجد الاقصى سيكون في نهاية المطاف اثراً حجرياً ، لان لا ناس حوله ولا ملامح عربية تحيطه.
حتى الكلام لم يعد ممكناً ، والذين كانوا يعترضون عربياً بالكلام ، يمارسون الصمت بأبشع درجاته ، وكأن الامر لا يخصهم ، وهي خطيئة علنية بعد ان كانت الخطايا تمارس سراً ، فإذا بها تخرج علناً دون ادنى خجل.
الذين يفرّطون في بيت الله ، اي المسجد الاقصى ويتركونه للعزلة والحصار والهدم ، ليس فيهم خير ابداً ، لانهم خانوا ما هو اهم من شعوبهم ، وتركوا مقدرات امة ليدوسها الاحتلال ، ويسرقها جهاراً نهاراً.
السؤال يقول: هل وصلت اسرائيل الى ما وصلت اليه لولا صمت عربي وقبول سري لما يجري ، وتواطؤ على غير مستوى ، والا ما تفسير هذا الخذلان للقدس واهلها ، فلا مال ولا حرب ، ولا احتجاج ، ولا سلم ، ولا انفاق على المدينة واهلها.
القدس المحتلة. او "اورشليم" وفقاً لتسمية الاحتلال ، لم تقم ولن تقوم ، على يد الاسرائيليين وحدهم ، فكل الساكتين شاركوا في بناء "اورشليم" واقامتها ، وكل مغمضي العيون ، شركاء في تهويد المدينة ، وتسليمها الى سجانها الجديد.
معنى الكلام ان المشهد سوداوي جداً ، فاذا كان الغرب تواطأ مع اسرائيل ، فانها - اي اسرائيل - محظية القرن الجديد ، وجدت من يدللها من العرب ، ويقدم لها كل الخدمات ، والتي اقلها ترك القدس والمقدسيين ، اسارى فرادى لمن يفترسهم كل يوم.
بهذه الصورة وبهذا الاستخلاص ، تصبح "اورشليم" صناعة عربية ايضاً ، وليست حكراً على ايدي اليهود ، وبنائيهم ، وليس ادل على ذلك من سقوط المدينة كل يوم ، فيما العرب المكلفون بها دينيا وقوميا ، لا يتحركون ، ولا يتكلمون حتى.
اذا صحونا ذات يوم ولم نجد المسجد الاقصى لا سمح الله ، فليكن سخطنا المتأخر يومها ، ليس على المحتل وحسب ، بل على اولئك الذين شاركوه بناء "اورشليم" خاصته ، بكل هذا الصمت ، وبكل هذا الدعم المباشر وغير المباشر.
العربي يبرم شواربه ويستل خنجره ليقتل من يمس عرض ابنته او زوجته بكلمة ، فيما شرف المدن المقدسة لا يعينه ابداً ، هذا على الرغم من ان شرف المدن اعلى درجة من كل انواع الشرف الاخرى.
الشرف لا يتجزأ ، وحتى تعود القدس فان شرف العرب غائب حتى اشعار اخر.
mtair@addustour.com.jo
(الدستور)