هناك اختراع إسمه "ڤي پي إن" يستخدمه آلاف الأردنيين ليصلوا للتيك توك من وراء الأستار الإلكترونية التي وضعتها الحكومة. على ما أتذكر، وقت الحجب قالت الحكومة أن مسؤولي التيك توك لم يستجيبوا للطلب الأردني بث أفلام تستثير الخلافات وقت إضراب الشاحنات وغيرهم. فكان الرد الحكومي منع وصول التيك توك للأردنيين الذين التفوا حول الموضوع بـ VPN وبمتابعة الممنوع على وسائل الاتصال المختلفة لأنه في هذا الزمان من الصعب الحجب.
يُرَوِّحُ التيك توك عن المتفرجين وهو غَثُّ المحتوى وتافه حتى عندما ينوي المشترك أن يكون واعياً ومثقفاً فيختار من زبدتهِ التي تطفو عكس الوقع على أساسٍ مختل. طريقة عمل التيك توك لا تسمح بالاقتصار على الأدب والدين والشعر والحكمة، فمع هذا العسل يأتي كثيرٌ من الهزل ودونيةِ الخلق وتظهير التفاهة بأحطِّ أشكالها. ولكلٍّ زبائن. وإن أرادَ مسؤولوه تنظيف المحتوى فسيخسرون الملايين من المتابعين والبلايين من الدولارات، وهذا انتحارٌ لن يُقدموا عليهِ إلا مُجبرين. وإن فعلوا ذلك اختيارياً أم جبراً فسوف يأتي بعدهم من يحل محلهم وربما بتقنيةٍ أكثر شراسةً.
المغزى هو أن حجب التيك توك في الأردن لن يكسر ظهر التطبيق وأن الأردنيين تجاوزوا الحجب بالتقنية المتاحة وأن الممنوع مُشاهد شاءت الحكومة أم أبت. والمغزى الآخر هو أن القضية ليست في الانحدار المتوقع من أي وسيلةٍ للاتصال، ثم حجبها، بل في جوهر خطأ التفكير أن حجب أي ممنوع هو صنو حل المشكلة. الحل يكمن في الوضوح من قِبَلِ الحاجب والمحجوب عنه وليس هذا بالأمر السهل لأنه يتطلبُ منظومة تثقيفٍ محصنة تبدأُ بالبيوت ولا تنتهي بالمدارس والجامعات تقول أننا كشعب نستطيع أن نواجه الضرر بالعقل والإرادة.
وسائل الاتصال تقرأنا بوضوح عبر الخوارزميات المعقدة وأساليب التتبع. مثل الحكومات. لكنها أذكى من الحكومات لأنها تمنح المتابع ما يقف عنده طويلاً، والحكومات تمنعه. فإلى أين نعتقد سيتجه المتابع؟ للمانح أم للمانع؟ في يومنا هذا المطلوب من الحكومة عميق التدبير بعد التفكير للمعضلة المعلوماتية فكيف نتصور حجباً مع الجيل الخامس، مثلاً؟