الموازنة بين الحكومة والنواب
عصام قضماني
10-01-2023 12:56 AM
الحكومة قدمت الموازنة باعتبارها خطتها المالية والاقتصادية لسنة كاملة هي ٢٠٢٣ والنواب يستلقفونها على هذا الأساس، فليس لدى الحكومة خطة لما هو أبعد من ذلك.
حتى الخطة التنفيذية لرؤية التحديث الاقتصادي ستمر عبر الموازنة فلا نفقات حولها خارجها وهذا جيد اذ يستطيع النواب ممارسة الرقابة على جودة تنفيذها اذا كانوا على قناعة بها.
في مجلس النواب تجري المناقشة الحقيقية للموازنة في اللجنة المالية، حيث يحضر الوزير ومساعدوه للإجابة على الاستفسارات والرد على المطالبات، أما الجلسات العامة للموازنة في المجلس التي تستغرق أياماً طويلة فهي مكرسة لإلقاء خطابات بعضها معد سلفاً حتى قبل الإطلاع على الموازنة.
سيخوض السادة النواب جلسات حوار بعضها لن يكون له علاقة بالموازنة، وبعضها سيكون رفضا عدميا، وبالنتيجة ستمر الموازنة بدون تغيير جوهري.
والحالة هذه فان ما ينبغي فعله هو تسريع دور الاحزاب في الانتخابات كي تنتظم النقاشات وتصبح ذات دلالات سياسية تمثل اتجاهات ذات معنى وذات مناخ سياسي حقيقي بدلاً من الاجتهادات الفردية والخطب البعيدة عن المنهجية.
يجدر ملاحظة أن التوجه بتوزيع نفقات الخطة التنفيذية للرؤية الاقتصادية على سنوات ضمن الموازنة هو توجه دستوري جاء خلافا لخطط سابقة وضعت نفقات الخطط خارج إطار الموازنة وكان بعضها خارج نطاق الرقابة فوسمت حكومات كثيرة متعاقبة بالفساد احيانا وبالإخفاق أحيانا اخرى.
الخطة الواقعية الوحيدة بحوزة الحكومة هي برنامج التصحيح الاقتصادي تحت إشراف صندوق النقد الدولي وهي معكوسة في الموازنة، ومرتكزاتها، لا ضرائب، تحفيز النمو ومواصلة الإصلاحات الهيكلية.
الموازنة هي خطة عمل الحكومة وليست ارقاما مجردة بل وثيقة مالية واقتصادية واجتماعية وسياسية وما عداها تظل افكارا واجتهادات.
أسهل ما يمكن أن يطلبه النواب هو تخفيض النفقات الجارية، وهي التي قدمتها وزارة المالية بالحد الأدنى بمعنى أنها صافية بل على العكس فهي زادت لهذه السنة... هل كان يجدر مثلا زيادة أو تركيز الإنفاق على قطاعي الصحة والتعليم أكثر من غيرها من القطاعات مثل السلامة والأمن؟.
ما يستطيع مجلس النواب أن يفعله هو الدخول جراحيا الى النفقات بأن يقترح على الحكومة شطب مؤسسات يمكن الاستغناء عنها بما لا يؤثر على العاملين فيها والدخول الى أولويات الإنفاق الرأسمالي ففيه قدر من الاجتهاد والنواب يعرفون أن الموازنة ليست مرنة حتى وزارة المالية لا تستطيع التصرف في بعض بنودها، لأنها التزامات لكن بالامكان اجراء مناقلات بين بنود النفقات.
الحكومة قدمت موازنة تقول إنها مختلفة فهي منضبطة وتحفيزية، ومنسجمة مع الإصلاح الاقتصادي والنواب بدورهم سيفتشون عن ثغراتها لكن لا أحد يريد أن يقر أن إصلاح الموازنة يحتاج لإجراءات جراحية قاسية.
(الراي)