غريب أمر دولتنا تدير ظهرها لأبنائها الخلص الذين آمنوا بها حتى النخاع، وخاضوا معاركها بصدورهم وأرواحهم، والتاريخ يشهد لهم بذلك، وتفتح صدرها لكل من وقف ضدها في مفاصل كثيرة وتلهث وراءه لاسترضائه، ومعادلة الاسترضاء هذه أرهقت الناس وجعلت الكثيرين منهم يتعبون من إخلاصهم ووفائهم. نحن لا نطالب بشيء، سوى أن تمضي العدالة على الجميع، وتختفي قصة ابناء الداية لدينا..
تعذر الدول أحيانا عندما تحاول استرضاء المعارضين، هذا إن كان لدينا معارضين أصلا، ولكنها في الوقت نفسه لا تجحد أبنائها الخلص الشرعيين. يعرف الأردنيون جميعا عشرات الأسماء، بل المئات كانت مواقفهم من الدولة حادة ورافضة ومشككة دائما بكل شيء، يتسلمون الآن مفاصل كثير من مفاصل القرار من باب المؤلفة قلوبهم. بذات الوقت، الالاف من الأردنيين الصادقين مع دولتهم والمخلصين لها والذين كما أشرت دافعوا ويدافعون عنها بدمائهم وبكل ما يملكون يشعرون بالأسى والتهميش، لأنهم يعتبرون اليوم كالخيل الهرمة لا بد لها من رصاصة الرحمة.
فبحجة استيعاب "الحردانين"، تم تهميش أبناء الوطن، وتم ازدراؤهم، ومعاملتهم أنهم بشر ناقص.
المعضلة التي تهز أنفسنا اليوم أننا نرى الذين كنا نتصارع معهم من أجل الدولة ويتهموننا بالرجعية وبأننا مخبرين صغار، يتصدرون المناصب وفازوا بالمكاسب، وخصومهم في الوطن والوطنية يجلسون على الرصيف، يتفرجون كيف انقلبت المعادلة، وممنوع عليهم أن ينزلوا عن هذا الرصيف لأن الساحة لم تعد تحتملهم، ويأتيك من يطالبك بالاستمرار بالقبض على جمر الوفاء والإخلاص.
إن كثير من أصحاب القرار يدفعون الكثيرين اليوم من الأردنيين أن يكفروا بكل شيء، لأنهم باتوا غرباء في مدنهم وقراهم ومخيماتهم، يلهثون خلف سراب مخادع.
الدول لا تبنى بهكذا سياسات عرجاء تعاني من قصر النظر، فقد علمتنا الأيام والتجارب أن الذي يكون خصمك وتسترضيه ليأتي إلى صفك سرعان ما ينقلب عليك لأنه بالأصل غير مقتنع بك، أما ابنك فهو عصب لك مهما اشتدت الصعوبات والأزمات.
وزراء، سفراء، أعيان، مدراء عامين، رؤساء شركات، أمناء عامين... تدور الدائرة بنفس قطرها على أساس محمد يرث ومحمد لا يرث.
يجب أن تتوقف هذه السياسة لنحافظ على ما تبقى من ولائنا لوطننا.
وللحديث بقية..