صندوق النقد ليس الشرير الوحيد على المسرح
سامح المحاريق
08-01-2023 12:58 AM
هل يعتبر صندوق النقد الدولي منظمة شريرة، كما توحي الكثير من الكتابات الصحفية، وهل يعني التعامل مع الصندوق الخراب بصورة آلية؟
الإجابة على السؤال تستلزم البحث عن قصص لنجاح الصندوق في تمويل برامج تصحيح اقتصادي، وهي موجودة في كوريا والبرازيل ودول أخرى، والنجاح نسبي، لأن الوضع الذي وصلته بعض هذه الدول، مقارنة بالوضع من غير تدخل الصندوق هو كارثة لم تحدث، وبالتالي لا تستحوذ على ذاكرة في مشاعر الناس وأفكارهم.
الصندوق نفسه تمكن من النجاح في تجربته مع الأردن سابقاً في مطلع التسعينيات وفي ظروف صعبة إقليمياً وسياسياً، فما الذي يجعل سمعته السلبية قائمة لدى المتابعين والمهتمين بالشؤون الاقتصادية؟
الصندوق يهتم أساساً بتوفير التمويل للدولة المأزومة اقتصادياً، وهو قبل أي شيء معني بأن يضع الشروط التي تكفل استعادة أمواله، وبطبيعة الحال، على المستوى الفردي، فإنك إذا أقرضت شخصاً المال بسبب وجود حاجة ملحة، فإنك لن تكون مطمئناً إذا وجدته بعد ذلك يبدد أمواله في المطاعم الفاخرة، ولذلك يتدخل الصندوق بمحاولة ضبط الاستهلاك الذي يستنزف موارد الدول التي تقترض منه، والاستراتيجية الأساسية تتمثل في الوصول بالعملة إلى سعر يمثل قوى العرض والطالب التي تتشكل بناء على الانتاج والاستهلاك داخل الدولة.
تقوم العديد من الدول بتقديم الدعم لعملتها، فهي تحرص على توفر الاحتياطات المالية التي من شأنها أن تمول المستوردات بصورة مستمرة، ولأن مصادر العملة الصعبة تكون محدودة بناء على ما تنتجه هذه الدول، أو تصدره تحرياً للدقة، مثل البضائع والسياحة والعمالة إلى الخارج، فإن على الدولة التوقف عن القروض التي تعزز وجود الاحتياطي الأجنبي لمجرد الاستيراد، وبالطبع توجد مستوردات ضرورية مثل المواد الغذائية، وأخرى متعلقة بالرفاهية، ولكن المحاسبة تعترف في النهاية بما تسجله الدفاتر من خروج ودخول للعملة الأجنبية.
الرسالة الأساسية التي يوجهها الصندوق يمكن التعبير عنها بالمثل الشعبي (على قد لحافك مد رجليك)، ولأنه لا يمكن التصرف مع الأرجل طويلاً، فالحل هو في الحصول على لحاف أطول، أي انتاج أكثر، فالقرض الذي تتحصل عليه أي بلد، هو اجراء مؤقت، ومن أجل ضمان سداده تقوم بتخفيض نفقاتها، وتوجيهها للأقساط، ولذلك يكون التدخل المتأخر من الصندوق كارثياً في حد ذاته، لأن كثير من الممارسات الاستهلاكية تكون تحولت إلى عادات وأنماط للحياة، يشكل التراجع عنها مصدراً للتوتر والقلق الاجتماعي.
عند هذه النقطة، يمكن أن نستخدم استعارة أخرى، فالأمر يشبه علاج فقر الدم، حيث تنفع الأدوية لبعض الوقت، إلا أن عدم وجود طعام ذي قيمة غذائية عالية، وبعد فترة من احتواء المرض، سيبدأ في العودة من جديد، وما يقدمه الصندوق هو مجرد الدواء.
ربما تتساءل كيف يتغيب الحل بزيادة الإنتاج عن المخططين الاقتصاديين؟ ومن قال إنه يغيب، ولكن ثمة فرق بين أنهم يريدون ذلك، وبين إن كانوا يستطيعون فعله، فداخل كل دولة توجد فئات من المستفيدين من الأوضاع القائمة، محتكرين للاستيراد وللتصنيع، وهؤلاء، يمتلكون مفاتيح في القرار السياسي وخاصة في الدول التي تقوم على الديمقراطية والبيروقراطية، ولذلك ينجح الصندوق عادةً في دول غير ديمقراطية، كما نجح في كوريا الجنوبية التي كانت دولة غارقة في المشكلات والفقر والبطالة، وكان النظام الديكتاتوري يستطيع أن يتخذ القرارات الكبيرة من غير الوقوف على تفاصيل كثيرة، ولا تضييع الوقت في مداولات متواصلة، وحقق أيضاً نجاحاً في تشيلي أثناء ديكتاتورية بينوشيه.
من يشتري أصوات الناخبين في الهند أو باكستان أو أي بلد آخر، ليس معنياً إلا باسترداد استثماراته في المنصب السياسي، وبالتالي فهو لن يكون منفتحاً على لاستثمار وتعزيز الانتاجية لأنها تعني منافسة وقادمين جدد للأسواق التي يحتكرها، وسيفضل حصة كبيرة من الكعكة الصغيرة، على حصة أصغر من الكعكة الكبيرة، وبذلك يمكن تعريف مصطلحات مثل الحرس القديم وقوى الشد العكسي.
هل على الناس أن تتخير بين الديمقراطية والتنمية؟
يخبرنا التاريخ أن شعوباً كثيرة لم تتحصل على الديمقراطية ولا التنمية معاً، ولكن المنطق التاريخي يظهر بأمثلة واضحة، مثل كوريا وتشيلي، أن التنمية يمكن أن تقود إلى الديمقراطية، فهي تعني مستويات حياة وتعليما أفضل، وفرصاً للعمل وبناء الوعي من خلال المشاركة في الإنتاج، ويخبرنا التاريخ أيضاً، أن الديمقراطية المشوهة ستبقى عاجزة عن التنمية، كما يحدث في الهند وباكستان، لأنها ديمقراطية تقوم على أساس حماية مصالح الفئات المحتكرة، ونموذج واضح للآثار غير المرغوبة في الديمقراطية.
صندوق النقد شرير أم لا؟ هذه ليست المشكلة، فمن يعملون في الصندوق غير معنيين بهذه الأوصاف، في النهاية، هم محاسبون جيدون وذلك دورهم، وفي لعبة المصالح، يمكن الحديث عن المستفيدين والخاسرين، والمستفيدون أيضاً غير معنيين بأن يوصفوا بأنهم أخيار أو أشرار على أية حال.
(الراي)