لم تكن المسيحية العربية ، امراً عابراً في مشرق العرب ومغربهم ، واذ يتم اعلان الحرب على المسيحية العربية ، فإن الكارثة كبيرة جداً.
في فلسطين تم تهجير مئات الالاف من المسيحيين ، وبدأت هجراتهم منذ مائة عام ، لظروف كثيرة ، فخرجوا الى امريكا الشمالية ، ثم امريكا الجنوبية ، وتجد اليوم الاف العائلات في البرازيل وتشيلي ودول اخرى.
جاء الاحتلال لاحقا وعبر تواطؤ غربي يتم منحهم تأشيرات الخروج ، وكل التسهيلات لتسفيرهم يوما بعد يوم ، والعرب لم يدعموا مسلماً ولامسيحياً في فلسطين.
لم يبق في القدس سوى عدد قليل من العائلات ، وعدد اخر في الناصرة وبيت لحم ، ومدن اخرى ، والذين يتفرجون على مشهد تفريغ فلسطين من العائلات المسيحية ، يخدمون اسرائيل.
يخدمونها لان اسرائيل لاتريد مسلماً ولامسيحياً ، وسنصل ربما الى اليوم الذي يتم فيه الاعتداء على المقدسات المسيحية ، جنبا الى جنب مع مقدسات المسلمين ، ومعلوم ان ذلك يحدث منذ هذه الايام.
القصة ذاتها تتكرر في العراق ، فيتم قتل المسيحيين ، برغم انهم اهل البلاد ، كغيرهم ، وبرغم انهم يشتهرون تاريخياً كغيرهم من مسيحيي الشرق ، بأنهم يمتلكون قيماً اخلاقية عالية ، فلايؤذون احداً ، وتفريغ العراق من مسيحييه ، هدف يخدم الاحتلال الامريكي.
القتل في العراق يقول للعالم انظروا الى مايفعله المسلمون في كل مكان ، انهم يهدمون الكنائس ويفجرونها ، ويقتلون على الدين ، على الرغم من ان الدين لايأمر بذلك ، ولايقبل ابداً الاعتداء على المسيحي ، تحت اي مبرر.
ليس عند هذا الحد فقط.بل يخرج من يخرج ليهدد اقباط مصر بالويل وعظائم الامور ، وكأنه ينقصنا خراب مصر ، وتفتيت وحدتها ، وشطرها وربما اذكاء حرب اهلية ، وتصير القصة قصة اثنتين اسلمتا ، ليتبدى ان ملف المسيحيين في مصر مقبل على الطريق ، في خدمة ذات السياق.
شطر هذه المنطقة وتفريغها من عنصر مهم ، اي المسيحيين العرب ، سيُدلل على قلة التسامح والمساواة ورفضنا للحياة المشتركة ، وسيقدم اكبر خدمة لمن يريد حرق المنطقة.
المسلمون اعلنوا مراراً وتكراراً ان هذه الافعال ليست من الدين ، وعليهم ان يخرجوا بصوت عال ومرتفع ، للدفاع عن هذه المنطقة ، واهلها ، اذ ان الذبح بات يشمل الجميع.
الخلطة السرية للعيش بين الناس ، معروفة تاريخياً ، اذ ان الرسول اوصى على سابع جار ، ولم يحدد لك دين الجار ، وكل التفسيرات المتطرفة للدين تأخذك للخراب وللحروب الاهلية وللتشطير ، هي تفسيرات يتوجب الوقوف عندها.
مابين التطرف في الدين ، والقتل باسم الدين ظلماً وبهتاناً ، وترك الاحتلالات والتفرغ لقتل المسلمين والمسيحيين ، معاً ، واولئك الذين يسكتون على مايجري ، فإن الكارثة التي نراها لايمكن السكوت عليها.
مسيحييو العرب ليسوا طائفة يتوجب الاحسان اليها ، او قلة يتوجب مداراتها ، او اقلية يتوجب ان تلتزم حدودها ، فهم عرب شركاء وهم اهل المنطقة كغيرهم ، ومن هذه الزاوية فإن سلب المنطقة هذا الرصيد من المسيحية خطير.
خطيراً جداً لانه ليس حقاً ، ولانه ايضا يجيّش الغرب ضدنا ، باعتبارنا نشن حربا ضد المسيحيين ، وننتهك حقوقهم ، ونلاحقهم ، وكأنه ينقصنا عداء فوق العداء الذي نواجهه في كل مكان.
ذبح المسيحية العربية ، ذبح لنا جميعاً ، والسكوت على ذلك دليل على الجهل والغباء ايضا،.
mtair@addustour.com.jo
(الدستور)