إدارة أوباما بعد الانتخابات النصفية
نقولا ناصر
08-11-2010 01:52 PM
(أوباما بعد الانتخابات أعجز عن الوفاء بوعوده للعرب التي عجز عن الوفاء بها وهو في ذروة سيطرة حزبه الديموقراطي على السلطتين التنفيذية والتشريعية قبلها)
صحيح أن السياسات الداخلية هي التي حسمت نتائج الانتخابات النصفية الأميركية الأسبوع الماضي، وليس السياسة الخارجية، غير أن نتائج هذه الانتخابات تبعث رسائل خارجية ينبغي أن تثير قلق "معسكر" من تصفهم واشنطن ب"المعتدلين العرب" من الشركاء في "عملية السلام" أو من حلفاء واشنطن واصدقائها في الأردن ومصر والمفاوض الفلسطيني ودول الخليج العربية لأن هذه الانتخابات أوصلت إلى قيادة مجلس النواب في الكونغرس ممثلين للحزب الجمهوري معروفين بالدعوة إلى تقليص المعونات الخارجية للولايات المتحدة وتعديل عقود بيع التكنولوجيا النووية الأميركية للاستخدامات المدنية ويدعون علنا كذلك إلى الانحياز السافر إلى دولة الاحتلال الاسرائيلي، ولأن نتائجها تبدد أية آمال عربية متبقية في أن يتمكن الرئيس باراك أوباما بعد الانتخابات من الوفاء بوعوده للعرب التي عجز عن الوفاء بها وهو في ذروة سيطرة حزبه الديموقراطي على السلطتين التنفيذية والتشريعية قبلها.
ويجد القادة العرب أنفسهم اليوم مطالبين من شعوبهم بوقف رهانهم على الوعود والمواعيد الأميركية التي تحولت هي و"عملية السلام" ومفاوضاتها ومصير الشعب الفلسطيني والأمن والتنمية والاستقرار الاقليمي إلى رهينة مرة للانتخابات في الولايات المتحدة وأخرى للانتخابات في دولة الاحتلال الاسرائيلي في حلقة مفرغة لا نهاية لها.
وصحيح أن إدارة الرئيس أوباما سارعت إلى تطمين العالم الخارجي بعدم حدوث أي تغيير في السياسة الخارجية الأميركية بعد الانتخابات النصفية، فمستشار الأمن القومي، توم دونيلون، أبلغ رويترز بأنه يتوقع أن يواصل الجمهوريون دعم استراتيجية السياسة الخارجية لإدارته التي أكد بأنها تحظى ب"دعم قوي جدا من الحزبين"، ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أكدت بأنه "مهما يحدث في انتخاباتنا فإنكم سوف ترونه (أوباما) مستمرا في متابعة أجندته"، بينما أكد المتحدث باسم وزارتها، فيليب كراولي بأن "الادارات الديموقراطية والجمهورية مدعومة من الكونغرس بقيادة ديموقراطية أو جمهورية قد أيدوا جميعهم سعينا إلى سلام شامل في الشرق الأوسط" لأن هذا السلام "مصلحة قومية هامة لا أتوقع أن تؤثر فيها أية نتائج انتخابية" أو "تغيير الادارات"، ولأن هناك اجماع بين الحزبين على "السياسة الخارجية في الولايات المتحدة معظم الوقت".
وهذه التطمينات الأميركية وجدت ظهيرا لها في وزير الخارجية الألماني غويدو فيسر فيله الذي اعلن بأن "الرئيس الأميركي قوي جدا وسوف يتم الحفاظ على الاستمرارية في السياسة الخارجية"، وقال منسق العلاقات الألمانية – الأميركية في حكومته، هانس – الريش كلوز للاذاعة الوطنية إن أوباما سوف يركز الآن أكثر على الصراع في الشرق الأوسط، بينما أكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البوندستاغ (البرلمان)، روبريشت بولينز، أن أوباما سيحتفظ ب"دور قوي في السياسة الدولية لأن الرئيس يعتمد على الكونغرس في البدبلوماسة الدولية فقط عندما يتعلق الأمر بالتصديق على المعاهدات".
واستشهد كثير من المحللين لدعم هذه التطمينات بحجج عديدة منها عدم وجود اي اهتمام بالسياسة الخارجية لدى "حزب الشاي" الذي كان حاسما في فوز الجمهوريين، وبحقيقة تاريخية تتمثل بتقليد درج عليه الناخب الأميركي لمعاقبة الرئيس في الانتخابات النصفية طوال الستين عاما المنصرمة باستثناء جورج بوش الابن عام 2002 بسبب هجمات الحادي عشر من أيلول / سبتمبر قبل عام، فالرؤساء ريتشارد نيكسون ورونالد ريغان وبيل كلينتون أصابهم في الانتخابات النصفية ما أصاب أوباما لكنهم انتخبوا ثانية بعد عامين، وبحقيقة أخرى هي أن الرئيس يظل هو القائد العام وصانع القرار الأخير في السياسة الخارجية والأمنية الأميركية، لأن "الدستور يفوض الرئاسة بالدور المبادر والمسيطر في السياسة الخارجية" كما قال سفير إدارة بوش الجمهورية السابقة لدى الأمم المتحدة جون بولتون للنيويورك تايمز يوم الجمعة الماضي، وفي اليوم السابق عزز هذه التطمينات برنت سكاوكروفت مستشار الأمن القومي في عهدي الرئيسين جورج بوش الأب وجيرالد فورد عندما نسبت الكريستيان ساينس مونيتور إليه القول إن "هذا الرئيس (أوباما) ربما يجد فرصه إلى حد كبير في مجال السياسة الخارجية بسبب مصاعبه مع الكونغرس الجديد"، إلخ.
لكن كل هذه التطمينات لم تقنع مجلس الدوما الروسي (البرلمان) بعدم حدوث تغيير في السياسة الخارجية الأميركية، مما دفع لجنة الشؤون الدولية إلى سحب توصيتها بالمصادقة على معاهدة "ستارت الجديدة" التي وقعها الرئيسان أوباما ودميتري ميدفيديف في نيسان / أبريل الماضي خشية أن لا يصادق عليها الكونغرس الأميركي إذا ما تأجل تصويته عليها إلى كانون الثاني / يناير المقبل عندما يلتئم الكونغرس الجديد، كما قال قسطنطين كوساشيوف رئيس اللجنة، في أول رد فعل دولي على الانتخابات النصفية يبدد كل التطمينات الأميركية.
ولم يعد سرا الآن أن مهلة الشهر التي منحتها اللجنة الوزارية لمتابعة مبادرة السلام العربية للادارة الأميركية لاقناع دولة الاحتلال الاسرائيلي بالوفاء باستحقاقات الاستجابة للمقترح الأميركي باستئناف المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية المباشرة كانت بناء على طلب أوباما أكثر مما كانت مبادرة عربية خالصة، وقد انتهت هذه المهلة الآن، وحسب الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة فإن لجنة المتابعة العربية سوف تجتمع بعد عيد الأضحى وهي الآن بانتظار "أن يبلغنا الجانب الأميركي بما توصل إليه مع اسرائيل .. قبل العاشر من الشهر الجاري". وبالتالي فإن هذا "الرد الأميركي" سوف يكون أول اختبار للسياسة الخارجية الأميركية بعد الانتخابات النصفية.
والمتابع لردود الفعل الاسرائيلية على هذه الانتخابات وتفاصيل التغييرات في عضوية الكونغرس التي تمخضت الانتخابات النصفية عنها، وغيرها من المؤشرات التي تدحض "التطمينات" الأميركية، لا يمكنه أبدا الاطمئنان إلى تطمينات إدارة أوباما التي فشلت على كل حال في الوفاء بوعودها العربية وهي في ذروة قوتها قبل الانتخابات، إذ من دون أعباء وجود مواجهة بين كونغرس جمهوري وبين رئاسة ديموقراطية لم يستطع أوباما تحقيق اي اختراق في "عملية السلام" طوال حوالي عامين من ولايته.
لقد اعترف كراولي بأن الخريطة السياسية للكونغرس الأميركي قد تشهد "تغييرا في بعض اللاعبين الرئيسيين" حيث سيرأس قادة جدد لجانا رئيسية في مجلسي النواب والشيوخ. ومن هؤلاء القادة الجدد على سبيل المثال عضوة الكونغرس الجمهورية عن مقاطعة يسيطر اليهود عليها بولاية فلوريدا، اليانا روس – ليهتينن التي كانت أول امرأة أميركية أصلها من أميركا اللاتينية (هاربة من كوبا) تنتخب للكونغرس، فهي المرشح الأقوى لرئاسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، ومعروفة بأنها كانت من أكثر أعضاء الكونغرس تطرفا تجاه القضايا العربية والعالم الاسلامي خلال السنوات العشر الماضية، حيث عارضت أي حوار مع ايران، وعارضت "ضغط" ادارة أوباما على دولة الاحتلال الاسرائيلي، وصفقة الأسلحة الأميركية الأخيرة للسعودية بستين مليار دولار، وودعت إلى تقليص المعونات الخارجية واشترطت تقديمها ب"مكافحة الارهاب" وخصوصا في المغرب العربي والقرن الافريقي، وقد دعت فعلا إلى قطع التمويل الأميركي للأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية، وكانت منتقدة باستمرار لموقف إدارة أوباما "الفاتر" من اسرائيل، وهي تدعو إلى تعديل الاتفاق مع الامارات العربية المتحدة على بيعها تكنولوجيا نووية أميركية للاستخدامات المدنية وانتقدت ابرام عقود مماثلة مع الأردن والسعودية والكويت، وهي ترفض اي محاولات لتطبيع العلاقات الأميركية مع كوبا وفنزويلا.
ومن المتوقع أن يكون زميلها اريك كانتور من ولاية فيرجينيا زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب وكلاهما يدعو إلى نقل المعونات الأميركية لاسرائيل من ميزانية المعونات الخارجية إلى ميزانية وزارة الخزانة ليسنى لهما المطالبة بتخفيض المعونات الخارجية دون الاضرار بالمصالح الاسرائيلية. وبالاضافة إلى روس – ليهتينن وكانتور فإن جون بويهنر من ولاية أوهايو يتوقع أن يخلف نانسي بيلوسي في رئاسة مجلس النواب حسب تقرير لصحيفة هآرتس التي أبلغها كانتور في التقرير نفسه بأن الكونغرس الذي يسيطر الجمهوريون عليه سيكون له "تأثير ملموس في تحسين العلاقة الأميركية – الاسرائيلية"
ومثل هذه التغييرات في "اللاعبين الرئيسيين" في الكونغرس لا يمكن ألا يكون لها تأثير على السياسة الخارجية، فمنذ وجه الرئيس دوايت أيزنهاور انذاره لاسرائيل بالانسحاب من شبه جزيرة سيناء بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 بدأت جماعات الضغط الصهيونية واليهودية الأميركية تهتم بالسيطرة على الكونغرس حيث يتعدد اللاعبون وبالتالي يتسنى لها التلاعب بهم حتى لا يتكرر ارتهانها لصانع قرار واحد في رئاسة البيت الأبيض. وفي الثالث من الشهر الجاري كتب يورام ايتينغر في تعليق له في صحيفة يديعوت أحرونوت الاسرائيلية: "لقد كان الكونغرس – وليس الرئيس – هو الذي أنهى التدخل العسكري الأميركي في فيتنام ولاوس وكمبوديا ونيكاراغوا وقطع علاقات الولايات المتحدة مع نظام البيض في جنوب افريقيا. ويملك الكونغرس السلطة ... للمبادرة إلى مبيعات السلاح والغائها والحد منها، ولتقديم المعونات الخارجية وقطعها وتعليقها، وزيادة التمويل الأميركي للأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية والحد منه وتعليقه، ولتوجيه الرئيس لتنفيذ سياسة ما تجاه البلدان الأخرى والأمم المتحدة". وقال أحد المعلقين الاسرائيليين إن رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو يعتبر الكونغرس "ملعبه"، مما يذكر بنكته سياسية رواها السفير الفلسطيني السابق عفيف صافية في رام الله مؤخرا، بسؤال: لماذا ترفض اسرائيل أن تنضم إلى الولايات المتحدة، والجواب هو لأنه عندئذ سيمثلها عضوان فقط في مجلس الشيوخ الأميركي بينما يمثلها حاليا الكونغرس الأميركي بمجلسيه.
وقد اعتبر ايتينغر أن نتائج الانتخابات النصفية كانت كالزلزال سياسيا في الكونغرس لا مثيل له "منذ 1948". وقال جوناثان راينهولد من "مركز بيسا BESA للدراسات الاستراتيجية" بتل أبيب: "نعم، سوف يرفع وجود كونغرس جمهوري الثمن السياسي الداخلي لأي مواجهة مع اسرائيل". إن الترحيب الذي استقبلت به وسائل إعلام دولة الاحتلال الاسرائيلي نتائج الانتخابات الأميركية يسوغ قول الكثير من المعلقين العرب بان نتنياهو كان هو الفائز الأكبر فيها، ومما لا شك فيه أن نتنياهو الذي فشل أوباما قبل الانتخابات في ارغامه على دفع الاستحقاق الفلسطيني لاستئناف المفاوضات المباشرة (المتمثل في تجميد جزئي ومؤقت للاستيطان) سوف يكون في موقف أقوى لعدم دفع هذا الاستحقاق عندما يلتقي نائب الرئيس جو بايدن وهيلاري كلينتون أثناء زيارته المرتقبة لواشنطن هذا الأسبوع، بقدر ما هو مؤكد أن المفاوضات المباشرة إذا ما استؤنفت في ضوء المعطيات الجديدة فإن استئنافها سيعني فقط تراجعا جديدا في الموقف العربي وتنازلا جديدا من المفاوض الفلسطيني.
إن تصريح زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، بعد الانتخابات بأن "الأمر الوحيد الأهم الذي نريد تحقيقه هو أن يكون الرئيس أوباما رئيسا لولاية واحدة" هو إعلان مواجهة بين أوباما وبين الكونغرس، وهي مواجهة سوف تترك أوباما بالتأكيد رهينة الحسابات الانتخابية ودور الصوت اليهودي فيها في الانتخابات الرئاسية عام 2012، بكل ما يعنيه ذلك من مضاعفات سلبية على الآمال التي يعلقها شركاء السلام العرب عليه.
وحتى لو استجاب الجمهوريون لدعوته إلى التوافق فإن التجربة العربية مع اجماع الحزبين على السياسة الخارجية تجاه الصراع العربي – الاسرائيلي كانت صفرا وفشلا أميركيا وعربيا ذريعا حتى الآن. في آب / أغسطس الماضي قال أوباما إن "الحرب المفتوحة لا تخدم مصالحنا"، لكن أبواب الحرب المفتوحة الاسرائيلية – الأميركية في الشرق الأوسط كانت تخدم هذه المصالح طوال الستين عاما المنصرمة، وربما كان القادة العرب الذين ما زالوا يراهنون على أوباما بحاجة إلى هزيمته الانتخابية لكي يستيقظوا على حقيقة أنه قد آن الأوان لهم لكي يسقطوا هذا الرهان.
لقد بدأ أوباما يوم الجمعة الماضي جولة تستغرق عشرة أيام في آسيا تشمل الهند واندونيسيا واليابان وكوريا الجنوبية، وقد علقت الواشنطن بوست على الجولة بقولها إن أوباما وفريق سياسته الخارجية يعتقدون الآن بأن الشرق الأوسط بصفة خاصة كان يشغل قدرا أكثر جدا من اللازم من اهتمامهم، لكن آسيا قد تكون أكثر أهمية للمصالح الأميركية، ونسبت إلى مستشار الأمن القومي دونيلون قوله: "نحن الآن في مركز معمار أمني واقتصادي صاعد في آسيا .. ولن نكون الادارة التي تسمح بأن يفوتنا نهوض آسيا". وهذه مؤشر واضح إلى تراجع صنع السلام في الشرق الأوسط في الأولويات الأميركية.
وهذه المؤشرات وغيرها تدحض تفاؤل السفير الاسرائيلي السابق في واشنطن زلمان شوفال الذي قال للأسوشيتدبرس إن "أوباما لن يتخلى عن دفعه من أجل صفقة سلام" اسرائيلية – فلسطينية "بالرغم من" هزيمته الانتخابية وضعفه الناجم عنها، وتدحض توقعات المعلق في هآرتس آري شافيت الذي كتب بأن "اللعبة الحقيقية تبدأ الآن، واسمها لعبة فلسطين، فإقامة دولة فلسطينية خلال سنة "يمكنه أن يرفع معنويات أوباما ومعسكره الذي يصف نفسه بالليبرالي"، وتدحض كذلك تقريرا كتبه فرانك جافني ونشره "مركز السياسة الأمنية" وخلص فيه إلى أن أوباما "بمجرد أن يترك انتخابات 2010 خلفه .. سوف يظهر تصميما لا خطأ فيه ولا رحمة لاخضاع اسرائيل لارادته"، فهذا الاستنتاج اليتيم لنتائج الانتخابات الأميركية سوف يظل مجرد أمنية عربية اقرب إلى الوهم الذي يغذيه أمثال جافني.
nicolanasser@yahoo.com*