الحب ثمرة نحصدها عندما نجيد زراعتها ورعايتها بالحنان والرحمة، ولكن مجتمعاتنا باتت تعاني بشدة من جفاف ثمرة الحب، نتيجة عقوق الابناء لآبائهم، بل وإظهار العنف والكره أحيانا تجاه الأبوين.
يبدو جحود الابناء في المشهد الأسري قاتل يكاد يفتك بالمجتمع وبأمانه النفسي الداخلي، فالابناء لا يعبرون لابائهم عن معاني الامتنان أو التقدير، بل أن البعض منهم يستقوي على والديهم عندما يبلغون مرحلة الكبر والضعف.
من السهل أن ندين جحود الابناء ونرميهم بأبشع الصفات، ومن الممكن أيضا مقاضاة الابناء على سوء اخلاقهم بحق الوالدين، لكن دون ايجاد حل لهذه المشكلة، فلا يبقى للاباء سوى مرارة الألم والحسرة.
وبالمقابل فإن الاباء أنفسهم قد يتورطون في جريمة عقوق ابنائهم دون أن يشعروا.
فالاباء هم المسؤولون عن غرس الزرعة الاولى في شخصية الابناء، فأي قصور في هذه الزراعة وعدم تغذيتها بالحنان والرحمة والعطف، تفضي الى ثمار العنف والجحود، خاصة إذا تربى الابناء على العنف والتمييز بين الاخوة، وامتهان كرامة الابن أمام عائلته أو جيرانه.
تمتلئ المشاهد اليومية بالكثير من مظاهر عقوق الآباء للأبناء، فبعض الآباء يفضلون الفتى على الفتاة، او العكس ويظهرون الحب وتحقيق الاحتياجات لأحد الابناء دون باقي الاخوة مما يولد مشاعر الغيرة والحقد.
ويمنح بعض الاباء ميراثه هبه لاحد الابناء دون باقي الاخوة في مخالفة صريحة للشرع.
والبعض الاخر من الاباء يتبعون مسلكا تربويا ودينيا متشددا في رعاية ابنائهم، مما ينفر الابناء لاحقا من الاسرة، ورفض الخضوع لاية قواعد سلوكية تربوية او اخلاقية في سياق من التمرد على ما يشعر به من قهر أسري.
ومع حرص الاباء على اسعاد ابنائهم، فانهم يخطئون سبل تربيتهم، وفهم حقيقة ان ابنائهم يعيشون معطيات زمن مختلف في علومه وافكاره وعلاقاته تماما عما كان زمن عليه الآباء.
كما تسبب بعض الاباء بتدمير نفسية ابنائهم من خلال استبداد الوالدين وتحكمهما في سلوك وأفكار الابناء وكأنهم آلة روبوت تنفذ الأوامر العليا دون نقاش أو فهم وإرادة. والنتيجة تنشئة شباب أما خانع او متمرد.
لقد عاينت بنفسي نماذج عديدة لابناء ضاعت احلامهم من بين ايديهم بفعل سيطرة الاباء وقهرهم لارادة الابناء.
فهاهي إحدى الامهات تسهم في تعليم بنتها تعليما جيدا وتحصيلها للماجستير والدكتوراه، لكنها حالت دون زواجها من أي رجل بوضع العراقيل أمامها حتى تجاوزت الفتاة عمر الأربعين دونما زواج بسبب أنانية الأهل، وهناك مئات الحالات التي تجبر فيها الفتاة على الزواج بمن لا تقبله رغم مخالفة ذلك للشرع الحنيف.
ان شعور الاباء أنهم دائما على حق وفهم وخبرة، في مقابل اشعارهم للأبناء بانهم على باطل وجهل وخطأ دائم، يفضي الى قطع الوصل والوصال بين الطرفين وترجمة ذلك عقوق الابناء الواقع بشدة في عالمنا المعاصر.
ولا أظن أن هناك مجالا لعلاج هذا العقوق بمعزل عن ادراك الابوين لحقيقة خطأهم في التربية الأولى، ثم العمل على إصلاح ما أفسدوه باتباع سياسية احترام ابنائهم وتكثيف الحوار معهم بحب، وتحفيزهم على استعادة تقتهم بأنفسهم، وتوثيق علاقة الصداقة الحميمة مع الابناء عبر جسر الصبر والحب والحنان بعيدا عن أسلوب التنمر عليهم ومعايرتهم بأخطائهم و تقليل ثقتهم بأنفسهم وبعيدا عن مقارنتهم بغيرهم وبعيدا عن العبوس طوال الوقت بوجوههم وبعيدا عن الصراخ والتعنيف والأذى النفسي والجسدي وبعيدا عن التقليل من شأنهم و اهانة كرامتهم
فكل هذا من عقوق الآباء للأبناء.
(الراي)