تشهد بعض الدول العربية حالة "هستيرية " ضد وسائل الإعلام والاتصال، المرئية والمسموعة والمكتوبة وعلى الانترنت، ويعود سبب هذه الهستيريا إلى شعور بعض الأنظمة العربية أنها بدأت تفقد سيطرتها على احتكار المعلومات والتحكم بالرأي العام، مما يدفعها إلى محاولة إدخال وسائل الإعلام "المنفلتة" إلى بين الطاعة الرسمي، عبر اتخاذ إجراءات تتراوح بين، سن القوانين المقيدة للحريات أو استهداف وسائل إعلام بعينها، وحجب المواقع على الانترنت بما في ذلك المواقع الأكثر شعبية مثل "يو تيوب و تويتر وفيس بوك"
جميع الدول العربية تحتل مراتب متأخرة على قائمة الحريات الإعلامية في العالم، وأفضلها على الإطلاق،الكويت، تحتل المرتبة 60 يليها لبنان في المرتبة 61 على قائمة تضم 152 بلدا أصدرتها منظمة "مراسلون بلا حدود، فيما تتربع الدول العربية الأخرى في ذيل الترتيب.
وعلى الرغم من تفاوت الحالة بين دولة عربية وأخرى إلا أن الحكومات العربية تحكم سيطرتها على وسائل الإعلام الرسمية وتستخدمها كأدوات للترويج والدعاية و"التخديم" على سياساتها أو أدوات لاختبار ردود الفعل الجماهيرية عند اتخاذ قرارات "غير شعبية".
مشكلة كثير من الحكومات العربية هي مع وسائل الإعلام غير الرسمية التي تعمل خارج "بيت الطاعة" والتي تشاكس أحيانا أو تتجرا في بعض الأحيان على نشر ما لا يروق لها، إلا أن الكابوس الحقيقي للعقل الرسمي العربي هي وسائل الإعلام والاتصال الجديدة على الانترنت التي أنهت احتكار السلطة لوسائل الإعلام وجعلت منها منبرا مهما وقويا وفعالا على الساحة الاعلامية العربية.
هذا الإعلام الشعبي والشخصي و المباشر ورخيص التكاليف على الانترنت جعل من السيطرة على وسائل الإعلام الجديد مهمة شبه مستحيلة، فهو سريع الانتشار ولا يمكن شطبه لان المواد المنشورة تتحول إلى ملفات يتداولها العالم خلال دقائق.. وعلى الرغم من هذه الحقائق التي تعرفها الحكومات العربية إلا أن بعضها يلجا إلى طرق بدائية وممجوجة لمحاربتها مثل حجب المواقع على الانترنت،وهي إجراءات تعلم هذه الحكومات أنها ساذجة فأي طفل حاليا "من أطفال البلاي ستيشن " قادر على "كسر البروكسي" و الدخول إلى أي موقع محجوب، فهي بذلك كمن يريد أن "يغطي الشمس بغربال" كما يقول المثل الشعبي.
ضيق وحنق بعض الحكومات العربية لا يقف عند حدود وسائل الإعلام الجديد على الانترنت فحسب، ولكنه طال أيضا بعض الفضائيات الجادة والملتزمة التي تعتبرها "مصانع للكوابيس" وبوابات إلى "جهنم الحقيقة" التي تتفادى أن يعرفها الناس، وتلجا إلى ما يشبه "الألعاب البهلوانية" التي ينفذها لاعبو السيرك لمحاربة هذه الفضائيات، مثل سحب التراخيص وأجهزة البث ومنع بثها على الأقمار الصناعية ومنع الصحفيين من الحركة وتقييد نشاطهم ووضعهم تحت الضغوط والمراقبة والتهديد بالاعتقال، وهي إجراءات تهدف إلى السيطرة على الفضاء و"تأميم الإعلام في السماء" بعد أن أممته على الأرض.
بعض الحكومات العربية تعيش في زمان آخر ولا تنتمي إلى زماننا، وهي تريد ان تحارب "نبضات الانترنت" وأمواج الأثير بسيوف "دونكشوتية" من خشب، كما حاول "دون كيشوت" محاربة طواحين الهواء، وهي معركة خاسرة لا محالة، فحجب المواقع على الانترنت لن يلغي انتشار الأخبار، ومنع الفضائيات الجادة من العمل في بلد ما لن يمنع الأثير والموجات من الوصول إلى غرف نوم من قاموا بالمنع.. إنها معركة خاسرة بكل المقاييس، فموقع واحد مثل ويكيليس وضع أقدام الإمبراطورية الأمريكية في "الفلقة"، و"توتير وفيس بوك ويوتيوب" لم تعد مجرد مواقع على الانترنت، لقد تحولت إلى حياة كاملة نتنفسها صباح مساء، نعرف منها الأخبار قبل ان تذاع ونشاهد عليها أفلاما كان من المستحيل يوما ما أن نحلم بها لا أن نشاهدها.
لقد تحولت القنوات الفضائية الجادة والملتزمة ومواقع الانترنت إلى ساحة للحوار والنقاش وتبادل الرأي بل يمكن القول أنها تحولت إلى "برلمان شعبي" حقيقي لمناقشة القرارات والسياسات والإجراءات الحكومية، وهي حالة لا تستطيع بعض الأنظمة العربية التكيف معها او قبولها، مما دفعها إلى التعامل معها كعدو لا بد من الإطاحة به بكل الوسائل .. لكن مشكلة هذا العدو انه متعدد الرؤؤس كلما قطع راس نبت مكانه آخر .. إنها حالة اقرب إلى الأسطورة ، فمن يستطيع أن يسيطر على الأسطورة ؟.. الم اقل إنها معركة خاسرة للأنظمة العربية.
hijjawis@yahoo.com