أولويات 2023: الكهرباء، الدولار، الودائع .. والرئيس!
منير الحافي
02-01-2023 12:54 PM
تنتهي سنة وتطل سنة أخرى وآمال اللبنانيين معلقة بها لعلها تحمل تغييراً في حالهم المأساوية التي يعيشون فيها منذ 17 تشرين 2019، فما هي أبرز العناوين التي ينتظر اللبنانيون أن يجدوا حلاً لها في العام 2023؟.
قبل أن نجيب عن هذا السؤال المصيري بالنسبة للشعب اللبناني الذي يذوق الأمرين، تقول مصادر اقتصادية، إنه يجب العودة قليلاً إلى الوراء للإضاءة على واقع الاقتصاد اللبناني المتهالك. فأساس المشكلة بالنسبة للخبراء في الاقتصاد هو النظام اللبناني الطائفي التحاصصي الذي أرهق الاقتصاد ومالية الدولة وكل الصناديق «المناطقية» وغيرها من الصناديق التي كانت محسوبة على أشخاص أو جهات أو قوى نافذة.
في العام 2015 صدر تقرير للبنك الدولي عن لبنان جاء فيه ما معناه «أن النظام التحاصصي والزبائني يكلف لبنان 9 في المئة من الناتج المحلي، الناتج المحلي يومها كان 50 مليار دولار فيدفع اللبنانيون 4.5 مليار دولار كلفة من أموالهم تذهب هدراً بسبب عدم وجود مساءلة وبسبب المحاصصة والزبائنية وعدم فعالية القضاء»، هذا النظام السياسي الاقتصادي الذي تكرس في العام 1990 والذي شوه اتفاق الطائف وأدخل الميليشيات إلى الدولة فخربوا الدولة وحولوها إلى شوارع ومتاريس بمسميات جديدة كانت عبارة عن مجالس وصناديق ووزارات.
انطلاقاً من ذلك يمكن الإجابة الآن عن السؤال الذهبي: ماذا يريد الشعب اللبناني في السنة الجديدة؟.
«الشعب يريد» .. كهرباء، كل المحاولات السابقة في ظل النظام السياسي-الاقتصادي الفاشل سابقاً أوصل إلى صفر كهرباء، المحاولة الوحيدة التي نجحت في موضوع الكهرباء سابقاً كانت على أيام رفيق الحريري والمدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان مهيب عيتاني عندما استطاع فريق تقني ومالي متمكن من إعادة التيار إلى كل لبنان تقريباً لأكثر من عشرين ساعة يومياً وكانت بيروت تنال حصتها كعاصمة 24 ساعة على 24، لكن التجربة سرعان ما أطيح بها بسبب الخلافات مع فريق الرئيس السابق أميل لحود وتراجع الأمر بشكل نهائي عند تسلم القيادة «الكهربائية» التابعة لقوى 8 آذار خصوصاً وزراء التيار الوطني الحر، وزارة الطاقة، مما أدى إلى صرف 25 مليار دولار سلفاً للكهرباء منذ العام 2009 لم تصل في النتيجة إلى ضوء!.
الشعب اللبناني يريد أن ينخفض الدولار مقابل عملته الوطنية. الارتفاع الجنوني في سعر العملة الأميركية لها أسبابها المتراكمة، النظام السياسي-الاقتصادي إياه هو السبب الرئيس. الدولة اللبنانية خصوصاً وزارة المال هي التي كانت في السابق تحدد سعر الدولار على 1500 ليرة وكان مصرف لبنان ينفذ، والدولة هي التي كانت تستدين من مصرف لبنان لتدفع للموظفين والمنتفعين وغيرهم، لا شك أن مصرف لبنان عنده مسؤولية كبرى في موضوع ضبط الأسواق ومعالجة أي خلل فيها إلا أن السبب الأساسي في انهيار مسيرة الدولار هو عدم البناء على أسس سليمة تتعلق بموضوع تسعير الدولار أمام الليرة. وكان خطأ حاكم المصرف المركزي رياض سلامة أنه جارى السياسيين وسكت عنهم وهذا بحد ذاته موضوع يسأل عنه كما يجب أن يسأل عنه كل السياسيين المعنيين. في المقابل يعتبر البعض أن الحاكم هو «شريك» بعض السياسيين في الفساد. هذا الأمر يكشفه القضاء والآتي من الأيام.
تعتبر المصادر الاقتصادية أن «واجب المصرف المركزي اليوم أن يدفش الحجر إلى الأمام» يعني أنه آخر المدافعين عن الليرة عبر الإجراءات التي يقوم بها في مواجهة الارتفاع الجنوني للدولار. لكن من يحمي الليرة في الأساس هي الدولة. كيف؟ عبر الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني وإجراءات الثقة والشفافية ومنع التهريب وكشف الفساد، كل هذا يؤدي إلى استقرار الأسواق فيبقى الدولار منخفضاً، والعكس صحيح.
الشعب يريد كذلك استعادة ودائعه من البنوك. هذه قضية مركزية أيضاً لعلها تحل في العام الطالع. المؤشرات السابقة خلال السنوات الماضية منذ «الثورة» كانت محبطة. فشلت الحكومة والمجلس النيابي وكل اللجان التي تألفت في حماية الودائع في المصارف اللبنانية مما أدى إلى انهيار أشخاص وعائلات نتيجة فقدان أموالهم المجمدة. ظهر «اللولار» واختفى الدولار عند المودعين مما خلق بلبلة كبرى في السوق المالية، أفلس العديد من الشركات والأفراد وولدت سوقٌ موازية هي سوق «الفريش»، وفي المقابل اغتنى عدد لا بأس به من» تجار الكوارث» سواء من مصرفيين أو صيارفة أو شركات تحويل أموال وغيرهم، الناس ينتظرون إجراءات منصفة يقوم بها المجلس النيابي بالتعاون مع الحكومة لإعادة الودائع سواء لصغار المودعين أو كبارهم.
كل هذا يقودنا إلى أمر رئيسي بدونه لا ينتظم الاقتصاد. رئيس الجمهورية الذي هو رأس الدولة، إن انتخاب رأس الهرم يقود إلى انتظام الدولة التي يجب أن يعاد بناؤها من جديد على أسس حديثة و«نظيفة»، القرار بتحديث المؤسسسات ينبع من اللبنانيين أنفسهم مدعوماً من الأشقاء والأصدقاء، وهؤلاء يقولون للبنانيين : «ساعدوا أنفسكم فنساعدكم».
إنتخاب رئيس للجمهورية نظيف الكف وقادر على بدء ورشة كبرى من الإصلاحات هو ضرورة قصوى في العام الجديد، الرئيس القادر على جمع اللبنانيين وعلى قرع أبواب الإخوة العرب هو الرئيس نفسه الذي يستطيع أن ينال احترام الدول الأوروبية والأميركية والعالمية، مع انتخاب الرئيس تأتي حكومة إصلاحية تضع في رأس أولوياتها وقف الهدر في الوزارات والصناديق ومحاسبة الفاسدين، كما تعمل على دعم القضاء كي يستطيع العمل على قضايا عالقة أولها التفجير الرهيب في مرفأ بيروت في آب 2020.
"السهم اللبنانية"