أدبر عام 2022، كان كانونه حزيناً شجيّاً كئيبا، تناغمت فيه الشهادة وطلع الدم فيه ورودا على ثرى الجنوب.
إنصرف العام وترك القلق والإضطراب يتناسلان في العام الجديد، معاركٌ في أدنى الشرق سرمدية لا تلوح لها نهايات، مخالب القطط الغربية تنهش هيبة الدب الروسي، وأتون الحروب بالوكالة يستعر، بينما تتأوه شعوب العالم من الألم ومن القهر، سيما تلك التي رُبط مصير خبزها بخطوط الملاحة في أعالي البحار، وتُركت حقولها بيادرا للطير ومثوى للنعاج.
عام آخر ولا أقول سنة، يستهله الليكود بتقديم رجل العجرفة نتنياهو لتشكيل حكومة أخرى، وقد دأب يحصّب العالم بحجارة الغطرسة ويطمح باعتلائه منصة لتكريس الكراهية والحقد، بينما يسوق في سبل غاياته الوضيعة أكاذيب تتنافى وحقائق التاريخ.
لا جديد في انتخابات حكومة الإحتلال سوى منح اليمين المتطرّف والقوميين المتشددين، الذين لا يؤمنون سوى بالقتل، تفويضا جديدا بتكريس سياسات الفصل العنصري، وسياسات الإستيطان، وإنابة كاملة المقت للممارسات الظالمة على مرأى ومسمع من العالم كله.
يمعن هذا الكيان بالصلف والغرور، تكرّس خيبات العرب وانشغالاتهم مواقفه العنصرية، ويمتطيها خيلا تسهل له غرس مزيدٍ من المستوطنات ومزيد من مرانٍ كريه تستبيح فيه كرامتنا وتدوس أصالتنا، والعالم لا يأبه ولا يتحرك، وهو الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها من أجل أزمات صغيرة.
في منتصف هذا الإنفصام العالمي، بينما كادت قضية اغتصاب فلسطين تتلاشى في احتدام الوقائع المفتراة، تعود الجمعية العامة للأمم المتحدة لجادة الصواب وتوافق على رفع قضية الإحتلال لمحكمة العدل الدولية، وقد دعاها نص القرار إلى تحديد "العواقب القانونية لانتهاك إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير"، بالإضافة إلى إجراءاتها "لتغيير التركيبة الديمغرافية لمدينة القدس وطابعها ووضعها".
ثمة محصّلات حسنة لهذا التصويت الحصيف، أولها أنه يضع أمام طموحات حكومة اليمين المتطرف مطبات دولية يمكن أن ترغمها على مراجعة السياسات "الاستيطانية والعنصرية"، وثانيها أن ثمة دول ما تزال تملك قرارا يتسق مع مبادئها بعيدا عن أنواع التهديد والضغط، وثالثها أن الخيبات من انكلترا والولايات المتحدة ما تزال مستمرة وتتكاثر وتتأكد يوما بعد يوم في أن هاتين الدولتين وقد أطفحتا أوعية العالم بمبادىء الحرية وحقوق الإنسان الخدّاعة، ما زالت تحجم بشكل صفيق عن إدانة الممارسات الظالمة في فلسطين.
ندرك جيدا أن الجمعية العامة لا تملك سلطة ملزمة لهذه القرارات، ولكنها شعلة ضوء في نفق فاجر فاحش طويل، ونافذة أخرى هيأها القرار الأممي، علّها توقظ روح العروبة وكبريائها وعزّها لتقف في وجه الصلف والغطرسة والتطاول والخيلاء.