الطرق المدفوعة .. أزمة التفكير في الحلول الاقتصادية الأردنية
سامح المحاريق
01-01-2023 01:14 PM
تحقق قبل سنوات أحد أحلامي بزيارة الهند، وصلت متأخراً وفضلت أن أحصل على سيارة أجرة من المطار للوصول إلى المدينة البعيدة نوعاً ما، يستغرق الطريق نحو ساعة، وبعد الخروج من مدينة تشيناي توقف التاكسي لدفع رسوم استخدام الطريق، وهو طريق ممتاز أفضل من الطرقات داخل المدينة.
لم أكن أعرف أن الطرق المدفوعة التي تتواجد في مصر والإمارات والعديد من الدول الأوروبية، موجودة أيضاً في بلد مثل الهند، وأن الهنود الفقراء يتعايشون مع ذلك، وبقيت مجموعة من الأسئلة تدور في ذهني بحثاً عن الموضوع، سألتها لصديق أكاديمي ونحن نتوقف عند محطة دفع الرسوم لطريق القاهرة – العين السخنة، لأسأله لماذا يدفع في الطريق متحدثاً عن دور الدولة وما إلى ذلك؟.
الإجابة كانت اقتصادية، أخبرني أن هذا الطريق مكلف لأنه داخل الجبال بما يختصر المسافة بنحو 30% وأن جودة الطريق لا تقاس بطريق مجاني متوفر أطول كثيراً لعوامل التكلفة بخصوص طريق يربط القاهرة بمدينة ثانوية، وبالنظر إلى تكلفة الوفر في استهلاك الوقود وصيانة السيارة فإن الرسوم تعتبر معقولة جداً.
ولأن صديقي اختصاصه الاقتصاد، أضاف أن هذه الرسوم هي أكثر عدالة من تمويل الطرقات من خلال الضريبة، لأن من يستخدم الطريق هو من يدفع، وأنه لا يوجد مبرر لتمويلها من ضريبة شخص يقيم في الصعيد ولن يستخدم الطريق في حياته.
أمام هذه النقطة وصلت إلى إشكالية رؤيتي الاقتصادية التي تشكلت وتمحورت حول سلوكيات الدولة الأردنية في الاقتصاد، وسلوك المواطن الأردني تجاهها، وهو الأمر الذي يعطل استثمار فكرة الطرق المدفوعة من أجل تحسين شبكات الطرق الخارجية، بمعنى استمرار بعض المشكلات بصورة جذرية مثل الطريق الصحراوي، والبحث بشكل مستمر عن تمويل للتوسعة والصيانة.
أتخيل أن المعارضة لا تتأتى من المواطنين الذين يستخدمون الطريق، فالطريق الحالي سيبقى على وضعه، بمعنى أنه طريق الدولة، ومقابله فرصة الاستثمار في طريق أقرب لقصبات المدن، بمعنى أنه يصل من عمان إلى الكرك والطفيلة من غير الاضطرار إلى سلوك طريق جانبي يتفرع من الطريق الصحراوي.
يمكن العمل على استقطاب شركات صينية لتنفيذ ذلك، فهذه الشركات تمتلك الخبرة من خلال عملها في طريق الحزام داخل باكستان ودول جبلية أخرى، وبانتهاء مشاريع الحزام فهذه الشركات يمكن أن تقدم خدماتها بأسعار معقولة مقابل تمكينها من جني الرسوم لعدد معين من السنوات، ثلاثين أو خمسين سنة، وبعد ذلك يتحول الطريق إلى أحد الأصول الوطنية القائمة، وسيستمر بالطبع تحصيل الرسوم، لأنه سيرتبط أساساً بتوفير الصيانة للطريق وتنميته بصورة مستمرة.
من هم أصحاب المصلحة في ألا يحدث ذلك في الأردن؟، المواطنون من حيث المبدأ يرفضون، والمواطن لا يجد مبرراً لذلك، ويعتبره مزيداً من التغول على جيبه، على الرغم من أنه أكثر عدالة لمجموع المواطنين، لأن المواطن الذي يسكن في مناطق لا تستفيد من الطريق ليس عليه أن يقلق من توجيه ضريبته إلى مشروع لن يستفيد منه بصورة مباشرة، ولكن صاحب المصلحة الحقيقي في تعطيل المشروع هو المقاول الأردني الذي يستفيد من عطاءات غير منتهية لترقيع الطريق القائم، ولا تشكل مطلقاً حلاً جذرياً لحالته، ولأنه يمتلك علاقة جيدة مع البنية التشريعية ومع الإعلام، فهو سيبقى دائماً معارضاً لهذه الفكرة.
بالطبع ليس من مصلحة الأردن الإضرار بقطاع المقاولات، ولكن الإزاحة يمكن استثمارها في أمور لن تشكل تشجيعاً للمستثمرين الخارجيين مثل تأهيل الطرقات الداخلية المرتبطة بالزراعة أو الري.
المناقلات وترتيب الأولويات وإعادة التوجيه بناء على حساب التكاليف والخسائر هي الفعل الاقتصادي الحقيقي، أما بناء الخطط العمومية فمسألة يمكن للجميع الحديث فيها، لأن عملية مراقبتها وتقييمها تبقى هي الأخرى عمومية وغائمة.