يعيش الوطن في خواتيم عام وبدايات عام آخر على مقربة عن بعد من جوهر المواطنة، وينقسم مواطنوه في أتون فمنهم من يجلسون قريبا من صف الحكومة ويستفيدون من مناصبهم ومواقعهم، أو ينتظرون التغيير هنا وهناك آملين بالموقع والمناصب، وقد وصفوا بالسحيجة والمطبلين، ومنهم من شق عصا الطاعة في بعض المواقع، أو كان حظه متواضعا أو وجد نفسه مظلوما مستبعدًا من عشيرته أو حزبه أو منطقته، ومنهم من خرج بنظرية المؤامرة وأن البلد مستهدفة من قوى خارجية..
وبين حين وآخر تتداخل الفرق ويتقاطع دورها، فيأخذ فريق منها دورا متعاظما يؤثر على أمن واستقرار البلاد، وهذا يعطي أهمية لفهم المواطنة بطريقة مختلفة، خاصة مع تصاعد حالة عدم الرضا عن الأداء الحكومي وما آلت إليه الأمور في الأسابيع الماضية، وقد ازداد الأمر تعقيدا باستشهاد رجال الأمن، كما أن التظاهر السلمي والخلاق والذي يفضي بطبيعته إلى تحسين الواقع يسير إلى ما لا يحمد عقباه وعاقبته، ووصل الحال إلى هذه النتائج بسبب غياب الوعي الكافي لدى بعض الجماعات مما يدفع باتجاه فتنة -لا سمح الله- قد يكون مصدرها ما تدفع به بعض وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات وبعض الكتاب بدون قصد، وما لا نرتجيه هو استمرار الزج في أتون الخلاف في ظل تضارب المصالح والجدل القائم بين النخب والدولة، فالأحاديث المتواترة على منصات التواصل وفي الدواوين والصالونات، هي أحاديث مأزومة مفتعلة من خارج الوطن وداخلة، جعلت كل فريق يلقي الكلام جزافا بما يحلوا له على الآخر.
وما يغيب عن الجميع أن الوطن ليس بقرة حلوب، ما أن يضعف ضرعها نشرع في ذبحها، إذ أن المطلوب أن نكون أكثر صبرا تجاه القضايا العالقة وأن يكون الصبر مصاحبا للعمل، ثم أنه على الحكومة أن تقدم حلولا وخيارات متاحة، ونعلم أن لا عصا سحرية قادرة على إحداث التغيير الفوري، ولكن نعلم أن هناك إجراءات وخيارات تستطيع الحكومة اتخاذها؛ من شأنها خلق وفرة بعيدا عن جيوب المواطن، ومن باب النقد الذاتي فليس من المعقول أن نرفض وجهة نظر الحكومة في ظل التراجع الدولي، ومعلوم للجميع أن الأمن يساعد في انسياب المال من قبل المانحين بشكل يحل المشاكل والقضايا الموجودة.
آن الأوان لتقدم الحكومة حلولًا واقعية وتعرضها للجمهور بشفافية، ويجب أن ينظر للجماعات المعترضة بطريقة أكثر حميمية، فالجميع يريد البناء ومصلحة الوطن، ولا يعقل أن يرتفع صوت الاتهام هنا وهناك، وأن يسود عدم تقبل الصوت المرتفع فهناك أصوات علقت عن غير قصد بما لم يكن في الحسبان ونشأت خطابات فجة وسعت من هوة الآراء المطروحة، ويبقى لزاما أن الحكومة مطالبة بتطمين المواطنين، وتقديم كل ما هو ممكن لرفع سوية حياة المعوزين والفقراء، وأن تظهر في الأفق برامج لمحاربة البطالة، فالوطن للجميع وشق عصا الطاعة عن الحاكم لا يأتي بحلول واقعية في المدى المنظور، والقائمين على الأمن من أبنائنا وإخواننا هم ليسوا طرف، فما يقومون به نجله، وفي المقابل ما يتداعى له الناس من رفض الواقع الذي يسبب معيشة ضنكا للمواطن هو ما دعا له الدستور وشجعت عليه القوانين الخاصة والعامة، وبهذا يكون الوطن أرضا وفضاء، وأهلا وحياة عرضة للضرر بسبب محاولة إحجام الدولة وشل أجهزتها مما يصيب الوطن في مقتل الفتنة والتراجع.
وعليه فعلى كل وسائل التوجيه الوطني من إعلام وتربية وتعليم أن تتظافر جهودها معا من أجل القيام بما يلزم لخلق جيل يقوم باستيعاب الفهم الحقيقي للمواطنة، فالوطن لا يبنى بالصراخ والمعارضة السلبية، وعندما يكون الاعتراض شافيا للواقع، فعلينا أن نقوم بما يمكن أن يرقى إلى معارضة متحضرة من خلال المجالس المنتخبة، والإعلام الرصين، والصوت المتزن.