السفير السديري واليوم العالمي للغة العربية
السفير الدكتور موفق العجلوني
30-12-2022 09:40 AM
نعم هكذا اطل علينا سعادة السفير السعودي نايف بن بندر السديري بإطلالته البهية بهويته السعودية العربية الإسلامية بعقد ندوة اللغة العربية والهوية ودورها الحضاري والإنساني بحضور أصحاب السعادة السفراء العرب و نخبة من رجال العلم والمعرفة و المدعوين، بمناسبة احتفاء العالم باليوم العالمي للغة العربية. هذه الاطلالة ليست بغريبة على نجل المرحوم "بندر السديري رحمه الله " صاحب كتاب مذكرات " سيرة جديدة ويحمل عنوان " نايف بن بندر السديري موزاييك الذاكرة بندر بن أحمد السديري إنساناً وشاعراً." هذا الكتاب الذي سطره سعادة السفير بعفوية والذي يشكل موسوعة من سيرة حياة والده العظيم رحمه الله ، سيرة حافلة بالعطاء والتجارب الحياتية التي تتسم بالحكمة و السياسة و الدبلوماسية والمواعظ والدروس والعبر، تاريخ حافل بالإنجازات و العطاء. فهذا الشبل السعودي العروبي من ذاك الأسد .
نعم لأنها الوعاء الحضاري للتراث، والثقافة، والفكر العربي بكافة أبعاده وجوانبه، وأهميتها في الحضارة الإنسانية، وتأثيرها في لغة العلوم والأدب طيلة قرون عدة. نعم لأنها لغة القران الكريم ، و لأنها " كنتم خير امة للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله.
نعم، تنبع أهمية اللغة العربية من نواحي عدة جليلة يصعب حصرها ، أهمها : ارتباطها الوثيق بالدين الإسلامي و القرآن الكريم، فقد اصطفى الله عز و جل اللغة العربية من بين لغات العالم لتكون لغة القران العظيم و لتنزل بها الرسالة المحمدية : "إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون" ، و من هذا المنطلق ندرك عميق الصلة بين العربية و الإسلام و بين القرآن والسنة وآثار السلف. فقد حظيت اللغة العربية بشرفٍ عظيمٍ، إذ تنزَّل بها القران الكريم، كتاب رب العالمين، على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الانبياء والمرسلين، الذي كان أفصح البشر لساناً، فزاد من شرف اللغة العربية أنها كانت لغته صلى الله عليه وسلم التي مكَّنه الله - عز وجل - منها أيما تمكُّن، وكان صحابته الكرام وسلف الأمة - رضوان الله عليهم - على النهج ذاته في العناية باللغة العربية تكريماً وعناية وتشريفاً.
نعم اطل علينا السفير السديري في هذه الندوة المباركة ليذكرنا بلغة القران الكريم اللغة العربية و هويتنا العربية التي نعتز بها ، حيث جاء في محكم تنزيله :
إنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ .
وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا .
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ .
حم تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ .
حـم وَالْكِتَابِ الْـمُبِينِ إنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَإنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ.
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْـجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْـجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ.
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْـحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ. وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّمَا يُعَلِّـمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْـحِدُونَ إلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ.
وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ.
{وَإنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ . نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْـمُنذِرِينَ . بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ .وَإنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ . أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ . وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ . فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ .
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ.
ونظراً لاعتبار اللغة العربية إحدى ركائز الهوية الوطنية " كما أشار السفير السديري " ، فقد تبنت قيادة المملكة العربية السعودية العديد من المبادرات ، وقادت الجهود التي تحفظ وتعزز لهذه اللغة مكانتها، وتساهم في رسم وترسيخ الهوية الثقافية، وحمل الإرث المعرفي والتاريخي لحضارتنا العربية العريقة.حيث أطلقت العديد من المبادرات، وتأسست العديد من المدارس والمعاهد والجامعات لخدمة اللغة العربية، ولإبراز دورها الحضاري والإنساني، وتربية الأجيال على حبها واحترامها، حيث جاءت رؤية سمو ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان ٢٠٣٠ لتعزز ذلك الاهتمام اكثر فأكثر ، مع ضرورة العناية باللغة العربية بوصفها جزءًا أساسيًا من الهوية الوطنية السعودية .
و لا ننسى الاهتمام الكبير الذي حظيت به اللغة العربية من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله ، حيث اكد دائماً وفي كل خطاباته و توجيهاته الاهتمام باللغة العربية وان خدمة اللغة العربية هو تشريف وتكليف لإنسان هذه الأرض الطيبة المباركة.
ان من اهم الخصوصية للمملكتين الشقيقتين الأردن والسعودية اللتين يمتازان بهما، انهما يرتبطان ارتباطاً وثيقاً باللغة بروابط كثيرة، فهي لغة المكان والجغرافيا، ولغة التاريخ، ولغة الثقافة. وبالتالي عندما يتم التحدث عن اللغة العربية، فنحن نتحدث عن هويتنا العميقة وفي الأردن والسعودية، وما نرويه أو ندرسه أو نكتبه أو نتجه إلى توثيقه إنما هو مرتبط بعمق هذه اللغة وثقافتها. و من هنا جاء ادراج اللغة العربية ضمن اللغات الست الرسمية في الامم المتحدة: العربية والصينية والإنجليزية والفرنسية والروسية والإسبانية .
الحديث عن اللغة العربية يطول و يطول من هنا ، فهي لغة الادب والعلوم والطب و الهندسة والفلك والرياضيات والفلسفة والتاريخ على مر العصور. وهي رمز وجودنا القومي، ومكون أساسي لتراثنا الثقافي، وهي لغة حياة وحضارة، ومقوم رئيس من مقومات التطور الحضاري والمعرفي لأي مجتمع إنساني. حيث أسهمت في نقل تاريخ الأمة وعلومها وفنونها وموروثها الثقافي وعلوم الحضارات والأمم الأخرى؛ كونها وعاء المعرفة والثقافة.
ونحن نعيش اليوم عصر العولمة والثورة الرقمية، فلغتنا العربية وكما أشار الحضور الكريم من. الأساتذة والعلماء و أصحاب السعادة السفراء : هي لسان الأمة وناقلة تراثها، وأساس تشكيل الثقافة وتكوين البناء المعرفي الأصيل، ومفتاح العلوم ووعاء الفكر، وسبيل الوحدة، وأداة الاتصال والتواصل البشري، وهي خير إرث تتوارثه الأجيال، وأجود زاد معرفي وفكري، وبوصلة ناظمة نحو التقدم الحضاري، وتثاقف الأمم، وتحاور الأديان، وتبادل الخبرات".
ومن هنا يأتي اهتمام الأردن كما اشار معالي الدكتور عزمي محافظة ،" والذي درس الطب في جامعة دمشق باللغة العربية "، أن اهتمام الأردن باللغة العربية في مؤسسات التعليم العام والعالي وغيرها من مؤسسات الدولة في خططها وبرامجها وأنشطتها نابع من رؤى القيادة الهاشمية الثاقبة بتعزيز مكانة اللغة العربية وتمكين الأجيال من اتقانها، حيث قال جلالته في الورقة النقاشية السابعة: "لقد أنعم الله علينا بثروة عز نظيرها من القيم العالية، واللغة الثرية، والتراث البديع، ولن يستطيع أبناؤنا أن ينهلوا من هذا التراث، إلا إذا أحبوا لغتهم العربية، وأجادوها وتفوقوا فيها، كيف لا وهي لغة القرآن الكريم ولسان الأمة .
وتعود بي الذاكرة الى (مقال الشاب فارس العجلوني المنشور في عمون الغراء بتاريخ ٢١/٤/٢٠١٩ بعنوان " وقفة مع مبادرة الضاد لولي العهد الأمير الحسين) ، عندما اطلق سمو ولي العهد الأمير الحسين مبادرة الضاد حيث قال مخاطباً الشباب:
بسم الله الرحمن الرحيم " إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" لغتنا هويتنا، لغة القرآن الكريم، لغة حضارتنا وثورتنا ولغة الأدب والعلوم، هي بحر من الكلمات فيها وجودنا ومستقبلنا، نختزله بحرف واحد - الضاد. على بركة الله نطلق اليوم مبادرة " ضاد". فلغتنا التي حافظت على إرثها طوال القرون الماضية، لها الحق علينا أن ننشر محتواها في كل مكان، وأن نشجع الأبحاث بحروفها، لنحافظ عليها لغة عالمية قوية بجذورها التاريخية. لغة الضاد، لغتنا. "
وتأتي مبادرة الامير الشاب ولي العهد حفظه الله التزاماً ببناء مستقبل مشرق لشباب الأردن مستنداً إلى إلهامهم وتوجيههم للمشاركة في خدمة وتطوير المجتمع الاردني والمجتمعات التي يساهمون في اعمارها والمشاركة في تقدمها الحضاري سواء في عالمنا العربي او في الدول الاخرى وخاصة تلك المجتمعات المتعطشة للغتنا العربية لغة الضاد.
و هذا تأكيد التوافق في الرؤيا الأردنية السعودية بتوجيهات القيادتين الحكيمتين في المملكتين الشقيقتين، ليس فقط في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية و العلمية وانما أيضاً في الاهتمام باللغة العربية " لغة الضاد " التي تشكل هويتنا العربية وتراثنا الحضاري الذي بني الغرب تراثه و حضارته و علومه و اختراعاته على منجزات لغتنا العربية في مختلف العلوم .
من هنا لا بد ان نتوجه بالشكر و التقدير و العرفان لسعادة السفير نايف بن بندر السديري على مبادراته غير المسبوقة التي عودنا عليها، وعلى نشاطه الدؤوب على الصعيد الدبلوماسي و الاجتماعي و الثقافي و تعزيز العلاقات الأردنية السعودية و اخذها الى معارج التقدم والنجاح .
مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية
ajlounifamily@hotmail.com