بعد قصة الراية والعصفور .. مراجعة محطاتنا التاريخية
د.بكر خازر المجالي
29-12-2022 04:02 PM
يمكن القول باننا نلمس تراجعا كبيرا في الاهتمام بالتاريخ الأردني، وحتى تراجعت المؤلفات والبرامج التاريخية، ربما لطغيان حالات أخرى سياسية واقتصادية واصبحنا في حالة "الكف النفسي" أي ان لدينا من الحالات التي نكف بسببها عن التفكير بغير التفكير في واقعنا السياسي والاقتصادي ومشاكلنا، وأيضا لحدوث قضايا الإرهاب مثلما حدث في الحسينية والتي سيطرت على التفكير والشعور، وهنا لا يمكن تقبل بعض الإجراءات التي تقل قوة في تأثيرها عن هذا الحدث الاجرامي.
ولكن نجد انفسنا امام معادلة معقدة الأطراف وايضا معقدة وسائل المساعدة، ونجد هنا توهانا فكريا واستنتاجات فيها من الشطط الكثير. ونلقي ما بدواخلنا على بعض الإجراءات، فلم يكن الاضراب مهما بلغت قوته بأقوى من الحادث الإرهابي وان كانت النتيجة القضاء على الوكر الإرهابي، ويكثر الحديث عن الأسلوب والأسباب والانتهازية، وفقر التثقيف والتوعية ونقص برامج التنمية، وبالتالي تنامي جيوب الفقر وفراغ العقلية الجمعية من الوطنية والانتماء، فتلتقي هذه مع توفير البيئة المناسبة لان يعشش الإرهاب وفنونه القاتلة.
في خضم هذا السيناريو يطلع علينا تغيير راية الثورة العربية الكبرى من على فئة الدينار ليوضع مكانها العصفور الوردي الذي اعتمد كطائر وطني للأردن، وترك الامر تساؤلات عدة، اغلبها تساؤلات مشروعة بمنأى عن بعض السخريات والفكاهات، وهذه مدعاة للتساؤل: اذا هناك في الأصل نقص في ثقافة الثورة العربية الكبرى بموضوعها المجمل فما معنى انتزاع احد رموزها الرئيسية بهذه السهولة؟ وبالتالي فتح الباب للتندر والتهكم خاصة ممن هم أصلا أصحاب الاجندات والثقافة الوطنية الضحلة.
ولا يوجد في الأردن أي معلم يتعلق بالثورة العربية الكبرى الا راية الثورة الشامخة في العقبة امام بيت الشريف الحسين بن علي وقلعتها، وبالتالي كل من هو في العقبة او أي زائر لها ستكون نظرته الى هذه الراية مختلفة بعد نزعها أصلا عن الدينار الأردني، وسيكون هناك تساؤل هل هو البداية لنزع التراثيات الوطنية في مواضع أخرى؟ وهل نحن امام إعادة كتابة التاريخ الوطني بمنهج جديد بثقافة مادية؟
هل سيتصور أي مشاهد للراية في العقبة، ان بتصورها والعصفور الوردي هو في مساحتها كلها؟ اذا ان هناك تساؤل من بداية رفع الراية قبل حوالي العشرين سنة عن معاني هذه الراية مع غرابة التفسيرات البعيدة عن جوهر الثورة العربية الكبرى، فهل يأتي نزع الراية عن الدينار الأردني ليؤكد لأصحاب الاجندات نهاية مشروع النهضة والثورة؟
نحن نتحدث من باب الحرص على عدم المساس بالتراثيات الاصلية بل ان نبذل كل الجهد لتعظيم الدراسات والتثقيف حولها، وان نعزز مؤسسات المجتمع المدني والمناهج لتسير في هذا الاتجاه خاصة في حالة الحاجة الى الثقافة الوطنية في مكافحة الفكر التكفيري والتطرف.
وهنا الحاجة الأكبر لان نراجع تاريخنا، بمعنى الدعوة الى صحوة تاريخية، وتنمية تاريخية ليدرك كل مواطن انه جزء من تاريخ طويل وعميق ارساه الأوائل بجهادهم واستشهادهم وهم يرفعون رايات الثورة والرايات الأردنية، فاذا كنا بقرار لا نعرف اصله بإلغاء راية الثورة واستبداله بطائر تواجده في جزيرة سيناء فهو "طائر سينائي" وليس بطائر اردني، وان تواجدت اعداد قليلة جدا في رم والبتراء وضانا، وأقول ذلك على معرفة واقعية عشتها خلال اعدادي لفلم عن الطائر الوردي عام 2001، وكنا نطارد في هذه المناطق الثلاث الطائر الوردي لتصويره خاصة بعد البحث المستفيض عن خصائصه وان الطائر الوردي الجميل هو الذكر فقط اما انثاه فهي بلون سكني.
نأمل تعزيز تراثيات تاريخنا الأردني وتكثيف الدراسات حول تاريخنا، فلا معنى لوجودنا بلا تاريخ واصالة.