الشيئ بالشيئ يذكر. منذ عقودٍ خلت لم يكن هناك دولة الإمارات العربية المتحدة ولكن إماراتٌ متجاورة. منها إمارةَ عجمان التي لسببٍ ما أظنه تعزيز مدخولها المالي كانت تُصدرُ طوابع بريدية عالميةَ الاهتمام وجميلةً جداً صارت مطلوبةً من الهواة لدقتها وجمالها. بدا أن حجم عجمان وطوابعها في تناقضٍ. لكن الطوابع تلك طبعت عجمان في الذهن لليوم. لم ينتقد العالم عجمان علي طوابعها. ولو نظرتَ للعملة السويسرية ستعجب بألوانها ومظهرها المروج لتاريخ سويسرا. ولو تابعت الطيران النرويجي لوجدت ذيل كل طائرة يحتفي بصورةِ علمٍ من أعلام الأدب والفن والعلم النرويجيين. الدول تخلدُ مظاهرها والأحداث العالمية بوسائل مختلفة ومبتكرة. لم يشذ عن القاعدة أحد. في الولايات المتحدة لكل ولاية معلمٌ تطبعه على لوحات أرقام السيارات، مثلاً. وهكذا.
لذلك لم أستسغ هذه الهجمة التهكمية عند إعلان تصميم الدينار ووضعتها في خانة النقد غير البنَّاء الذي ينالُ من مؤسسةٍ رصينةٍ كالبنك المركزي ومن المصمم الأردني ومن هم وراء هذا الإصدار. وآمل أن يتوالى نسق الإصدارات الجديدة المحتفية بالإرث الوطني وأن لا تخيب آمال القائمين عليه من هذا النقد الظالم. إن البيئة التي تضم عوالم الحيوانات والنباتات المستوطنة في الأردن وهي متعددة وجميلة تكاد لا تكون معلومةً للكثير منا والتعريف بها شيئٌ إيجابيٌ ومطلوب بكل الوسائل. بل ربما تنتقل الفكرة لأرقام السيارات فينتقي المواطن من صورٍ مطبوعة على اللوحة لمعالم أردنية تاريخية وبيئية.
النقد للتحسين مطلوبٌ ومرغوب لكن النقد الجارح وربطه بقيمة الدينار وقدرته الشرائية أمرٌ ممجوج. في الأردن ثروات وإنجازات متعددة تستحق التقدير والإشادة والتخليد. لكن ما نراهُ اليوم في كثيرٍ من المواقع وما تكتبه الأقلام فيهِ استهزاءٌ غريبٌ وكأننا بمنافسةٍ أي التعليقات أعمقُ جلداً وكَيَّاً للذات. وفيه علاوةً ربطٌ غير منطقي بين مواضيع منفصلة الجدل غير العلمي فيها لا يفيد.
وعلى العموم، إن كان في هذا النقد إيجابيةً ما فقد يكون بالحس الفكاهي الأردني الذي تناول الدينار الجديد. بعضه كان مبتكراً. ولو استثمر الناس جهدهم ليجدوا ما ينفع ويفيد قدر ما يستثمرون بنكاتهم ومسخرتهم لربما كنا أحسن حالاً!