ضربات سياسية ناجحة للمقاومة تصل العمق الإسرائيلي
معتز خليل
29-12-2022 12:45 PM
تتعرض المنطقة العربية حاليًا لما يمكن وصفه بـالهجمة التي يمكن وصفها بالشرسة، على يد عدد من الأطر والكيانات، حتى الدول الغربية، فمع نجاح تنظيمات فردية مثل عرين الأسود أو كتيبة جنين، في تحقيق مكاسب إستراتيجية على الأرض، بات من المهم الحديث عن تحالفات المقاومة، وأهميتها للقضية الفلسطينية، وتأثير ذلك على الوضع السياسي في إسرائيل.
وبتحليل مضمون الأحداث، نجد أن تصاعد المقاومة يأتي تزامنًا مع :
1- تحركات قامت بها بعض من الدول والمنظمات لعقد تحالفات إستراتيجية لمواجهة بعض من التحديات الدولية، التي تتعاطف في هذا الظرف السياسي.
2- من أبرز هذه الخطوات التحالف بين حماس وسوريا واستئناف العلاقات بين الطرفين من جديد.
3- في الوقت ذاته، بات من الواضح أن تنظيمات المقاومة تكبِّد إسرائيل خسائر متنوعة، سواء كانت خسائر سياسية أم عسكرية وإستراتيجية عموما.
ما الذي يجري؟
هناك تطورات ملحوظة في دولة الاحتلال الإسرائيلي، يمكن رصدها خلال الفترة الماضية، وعلى سبيل المثال، صباح يوم الثلاثاء الماضي، الموافق السابع والعشرين من ديسمبر، حيث أعلن رئيس وزراء دولة الاحتلال يائير لابيد، إلقاء القبض على أحد المتهمين بارتكاب عملية استشهادية في القدس المحتلة وهو ما أتى بعد جهود أشار إليها لابيد قائلا: إن قوات شاباك ألقت القبض على منفذ عملية القدس، فضلا عن اعتقال مشتبه به آخر لم يكن متورطا في هذه العملية، لكنه قد خطط لتنفيذ عملية أخرى في القدس، وبهذا فقد أنقذنا أرواح مواطنين إسرائيليين.
وأضاف لابيد قائلا: إن إسرائيل ستواصل ملاحقة الفلسطينيين، ومن سمّاهم بمُرسليهم وسنحاسبهم. وستعمل إسرائيل كل ما في وسعها من أجل توفير الأمان لمواطنيها.
تحليل مضمون حديث لابيد يشير إلى بعض من الاستنتاجات أبرزها:
1- أنه يصدر بيانًا ترويجيًا وليس سياسيًا، مستخدمًا مصطلحات تلقَى دومًا رواجًا لدى الإنسان الذي يعيش في دولة الاحتلال ويشعر بالقلق المستمر، مثل المبادرة بإلقاء القبض على متهم وتعهده بمواصلة ملاحقة الفلسطينيين ومن سمّاهم بمُرسليهم، وهذه بالطبع رسالة للمقاومة ومن يدعمها وتعكس مستوى القلق الذي يشعر به إنسان على رأس حكومة تحكم دولة أمنية بكل معنى الكلمة.
2- اختتم لابيد حديثه بالقول؛ بأنه يعمل كل ما في وسعه لتوفير الأمن والأمان للمواطنين، وهي رسالة بالطبع لرئيس الحكومة المقبل بنيامين نيتانياهو، الذي اتهمه من قبل بالاستعراض السياسي والفشل، ورد عليه لابيد، بأن فشل نيتانياهو المتوقع سياسيا، يدفعه للحديث والكلام فقط ضده.
زلزال في غرفة العمليات الأدبيات الإسرائيلية
دومًا تنقل لنا تفاصيل ما يجري في غرف العمليات العسكرية لقيادات الاحتلال، وهو أمر تحرص إسرائيل على عرضه في الأعمال الفنية التي تنتجها، مثل مسلسل فوضى وإلقاء الضوء على التفاعلات السياسية لما يجري في هذه الغرفة بصورة واضحة .
غير أن مضمنون المعطيات الجيوسياسية خلال الفترة الأخيرة، يشير إلى إصابة الكثير من القيادات الإسرائيلية بهذه الغرفة بالقلق، مع تصاعد عمليات المقاومة، وبات هذا القلق واضحًا مع الإعلان السوري الأخير عن استئناف العلاقات مع حركة المقاومة الإسلامية حماس، في خطوة أثارت اهتمام الكثير من الدوائر السياسية بالمنطقة والعالم .
ومع قراءة تحليل مضمون عدد من التحليلات، وتقديرات الموقف الإستراتيجية البحثية الصادرة في إسرائيل، يمكن القول إن الإطار العام للتناول الإسرائيلي لهذه الخطوة له بعض من الدلالات أبرزها:
1- بذلت إيران جهودًا متميزة في هذا الصدد من أجل توثيق العلاقات، وعودتها من جديد بين حماس وسوريا، وهو ما أشار إليه صراحة التقرير السنوي الصادر حديثًا عن جهاز المخابرات العسكرية أمان.
2- كان من الواضح، أن الكثير من التقديرات، تشير إلى أن عددًا من الشخصيات السورية المسؤولة، لم تكن راضية عن بناء علاقات مع حماس الآن، وهو الأمر الذي يأتي لعدة أسباب منها: أ- مشاركة حركة حماس العلنية في دعم الثورة السورية. ب- تعاطف قيادات من حركة حماس مع الثورة، وهو أمر يأتي من صميم إستراتيجية حماس التي تتعاطف بقوة مع الشارع، وهو أمر أعلنه من قبل خالد مشعل، رئيس حركة حماس، في الخارج، حين قال: إن رهان حماس كان دومًا الشارع والجماهير. غير أن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، قال في ورقة تقدير موقف إستراتيجية، صدرت أخيرا: إن التطورات الدولية والسياسية دشنت نظريا وعمليا هذا التحالف، وهو أمر أشار إليه الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي "زياد النخالة"، الذي أشار إلى أهمية هذا التحالف السياسي، خصوصًا مع التطورات الٌإقليمية الحالية.
تحليل مضمون كثير من التصريحات الإستراتيجية في هذا الصدد، أشارت إلى أن كلًّا من حماس وسوريا، كانا يعرفان الأهمية السياسية لتدشين وبناء علاقات سياسية بين الطرفين الآن، وهو ما أسهم في القضاء على أي أزمة سياسية، وتمهيد الأطر الإستراتيجية لعودة العلاقات بين الطرفين.
تقديرات إستراتيجية
غير أن بناء هذه العلاقة الآن، دفع ببعض من الدوائر إلى البحث جديًّا من أجل الحفاظ على وضع جيوسياسي يساعد هذه العلاقة على الاستمرار، ويضمن استمرارها، خصوصًا أن هناك حديث لبعض الدوائر السورية، سابق عن عدم الرضا عن هذا التحالف وعودة العلاقات، وهو أمر معلن، وناقشته بعض من المنصات السياسية العربية التي تناولتها واهتمت بها الدوائر الإعلامية الغربية، مشيرة في هذا الإطار إلى وجود مخاوف لدى دوائر سورية من عودة حماس إلى الاستقرار في البلاد، غير أن الجهود الإيرانية في هذا الصدد كانت متميزة، وأسهمت في التخلص من هذا القلق المتزايد والمشروع للشعب.
وفي هذا الصدد، هناك ضمانات إستراتيجية تتكفل بها إيران بجهود متميزة من أجل استمرار هذا السلام، وتلك العلاقة الإستراتيجية، خصوصا أن هناك ما يمكن وصفه بـ"إعادة تنظيم العلاقات السياسية في حركة حماس"، وهو ما عبرت عنه بعض من المنصات الأمريكية ذاتها الناطقة بالعربية. ويمكن الخروج بتحليل هذه المنصات بالنقاط التالية:
1- هناك إعادة تقييم للوضع داخل حماس وبشكل كامل.
2- هناك شعور سياسي واضح داخل حماس من أن انتماء الكثير من قياداتها للإخوان، جاء على حساب قضايا المقاومة، ويمثل هذا التوجه المعسكر المصري بالحركة، فضلا عن جيل الشباب الواعد، ممن وجهوا انتقادات في كثير من الأحيان للجماعة الإسلامية ونهجها (في مصر)، مع الحفاظ والإيمان بالطبع بالمذهب السياسي لحماس، القائم أساسا على فكر الإخوان المسلمين (العام والشامل) .
3- من الواضح أن هناك طاقات شابة في الحركة تطالب بحتمية الرجوع والعودة إلى حضن دمشق، باعتبار أن سوريا تمثل العمود الفقري لمحور المقاومة.
ومن هنا، فإن ما يحصل في عمق الدوائر الإستراتيجية الإسرائيلية من ضربات متلاحقة، على يد عناصر المقاومة، وتزامن هذا مع التقارب بين حماس وسوريا، والقلق الناجم في تل أبيب منه، يشير إلى أن ما حصل يمثل خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح، وتؤكد أن هذه الخطوة تدخل في نطاق لمّ شمل المقاومة، في ظل التحديات المتواصلة التي لا تتوقف وتتعرض لها المنطقة، مع التصعيد الجيوسياسي بها.