facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الخلل الهيكلي في تنظيم مهنة المحاسبة في الاردن


الدكتور منصور إبراهيم السعايدة
27-12-2022 08:25 PM

ابدا مقالي هذا بتوجيه رجاء حار للجميع ان نعي ان مهنة المحاسبة ككل لها جانبان (فرعان) رئيسان مكملان لبعضهما البعض (اضافة الى جوانب اخرى فرعية) وهما "جانب المحاسبة Accounting" وله معايير دولية خاصة به باسم International Financial Reporting Standards و"جانب تدقيق الحسابات Auditing "، وله معايير دولية خاصة باسم International Auditing Standards ، اي ان هناك اعمال محاسبة واعمال تدقيق حسابات، وان جانب تدقيق الحسابات هذا بطبيعته محدود الحجم كونه ينصب على جزء واحد من المهنة وهو خلاصة عمل المحاسب، فلولا عمل المحاسب لما كان هناك شيء يتوجب تدقيقه.

ورغم اهمية جانب التدقيق هذا والحاجة الملحة اليه في كل اقتصاد الا انه لا يغطي ولا يمثل كامل مهنة المحاسبة، وحظي لدينا كما في البلدان الاخرى، بالتنظيم منذ عقود وعقود كونه مطلوب بحكم قوانين اخرى مثل قوانين التجارة، و الشركات، والاسواق المالية، الا ان جانب المحاسبة من المهنة ترك الى حد كبير بدون تنظيم في الاردن، ومما زاد الطين بله ظهور مصطلح "المحاسبة القانونية" لاول مرة في الاردن في قانون تنظيم المهنة لعام 2003 وهي تسمية جميلة في ظاهرها الا انها لعبت دور كلمة حق قصد بها باطل.

نعم هناك مصطلح محاسب قانوني Certifieed Public Accountant ولكن لا يوجد مصطلح محاسبة قانونية (او غير قانونية)، والمشكلة في القانون انه سلط الضوء على جانب تدقيق الحسابات بالمسمى الجديد اللامع، المحاسبة القانونية (بعدد اعضاء ممارسين يقل عن 700 حتى اللحظة)، وحجب الرؤيا عن جوانب المهنة المتعددة الاخرى بحيث ترك الحبل على الغارب بالنسبة لعشرات الالاف من المحاسبين يمارسون اعمال المحاسبة في كل الوزارات والهيئات والمؤسسات والشركات وكافة اعمال القطاعين العام والخاص الاخرى دون تنظيم مهني يميز بين المحاسب المتخصص وغير المتخصص والمحاسب المؤهل وغير المؤهل، وحديث التخرج، والمتدرب، والمحاسب الخبير، ويعمل على تنظيم واجباتهم ومراقبة ادائهم والزامهم بالتاهيل المستمر، هذا عدا عن الخلط في التسميات بين عمل امين الصندوق (Cashier) وعمل ماسك الدفاتر( Bookkeeper ) وعمل المحاسب (Accountant) وعمل مدقق الحسابات Auditor) )، وهذا موضوع لن نتطرق له الان.

ان تنظيم جانب تدقيق الحسابات (او ما اطلق علية المحاسبة القانونية مؤخرا) عمل مهم بحد ذاته كما اسلفنا لكنه غير كاف لوحده لخدمة الحياة الاقتصادية العامة والخاصة وحماية الاستثمارات والمدخرات الوطنية وحفظ حقوق ذوي المصالح stakeholders الاخرى، وان الاصوب هو تنظيم كلا جاني المهنة، وهذا امر بديهي لان عمل مدقق الحسابات لن يقع الا على ما يقوم به المحاسب من اعمال وما يتوصل اليه من نتائج وميزانيات ملتزما بمعايير المحاسبة الدولية ليأتي المدقق متسلحا بمعايير التدقيق الدولية ويتفحص تلك النتائج والميزانيات ويشهد انها تمثل بعدالة او لا تمثل ما ينبغي ان تمثله.

ان تحصين عمل مدقق الحسابات لوحده هو كمن يحصن راس الهرم ويترك اساساته وجدرانه دون عناية تذكر. وان استخدام مصطلح المحاسبة القانونية كبديل لمصطلح تدقيق الحسابات لاول مرة في قانون 2003 خلق ضبابية وسوء فهم لانه غطى على الفرق الحقيقي بين عمل المحاسب Accountant والعمل المكمل لمدقق الحسابات Auditor or JCPA الذي لا يجوز ان يغني احدهما الاخراو يطغى عليه، فالمحاسب قد يكون شخص يحمل دبلوم او بكالوريوس محاسبة يعمل بوظيفة محاسب ويلتزم في عمله بمعايير المحاسبة الدولية وتتضمن اعماله تحليل وقيد وتلخيص الاحداث الاقتصادية واستخراج نتائج الاعمال ووضع الميزانيات والقوائم المالية ويكون ولاؤه لصاحب العمل (اي انه غير مستقل)، اما مدقق الحسابات فهو محاسب في الاصل لكنه امتهن اعمال التدقيق وجلس لامتحان التدقيق وحصل على اجازة تدقيق حسابات ومجال عمله محدود في جانب تدقيق الحسابات فقط ويحذر عليه ممارسة اعمال المحاسبة حتى تتم المحافظة على الخاصية الاساسية في مهنته وهي الاستقلالية و الحياد باعتباره ليس موظفا في الشركة او المؤسسة التي يدقق حساباتها وقوائمها المالية التي انتجها المحاسب .

نستخلص مما سبق حقيقة واضحة وضوح الشمس ان عمل المدقق يبدأ بعد ان ينتهي عمل المحاسب، وان كلا العملين مطلوب لانهما مكملين لبعضهما وليسا بديلين، وان العلاقة بينهما كالعلاقة بين الطبيب العام الذي يقيم وضع المريض في اول الطريق ويلخص شكواه والطبيب الاخصائي او الاستشاري الذي ينتهي عنده تقييم الحالة المرضية ووصف العلاج، اي ان على الاثنين يعملا بالتكامل وليس بالتوازي، وبشكل مشابهه، فان عدم تحديد دور مهني وقانوني لكل من المحاسب والمدقق سوف يفضي الى تطاول اي منهما على دور الاخر واستغلاله بشكل غير قانوني ودون وجه حق، وهذا للاسف ما لم يتنبه له المشرع حين وضع قانون تنظيم المهنة لعام 2003 وكذلك نظام مزاولة مهنة المحاسبة القانونية رقم 7 لعام 2006، الذي اتاح المجال بموجب المادة رقم 6 منه قيام مدقق الحسابات (بمسماه الجديد المحاسبة القانونية) بكثير من الاعمال التي تقع في نطاق المحاسبة اكثر منها في نطاق تدقيق الحسابات فسمح للمدقق بتقديم الاستشارات والخبرة في المجالات المحاسبية والمالية والاقتصادية والضريبية وانظمة المعلومات وجمع المعلومات الاقتصادية لصالح الغير وهذا ما ادى التداخل بين الوظيفتين بالفعل كما يتضح من الندوة التي اقيمت عام 2010 بحضور معالي وزير الصناعة والتجارة ورئيس مجلس ادارة جمعية المحاسبين القانونيين (نعيم خوري انذاك) لمناقشة دور المحاسب القانوني في تعثر وافلاس الشركات الاردنية من جراء توسع المدققين في تقديم خدمات محاسبية غير تدقيقية.

نحن هنا لا نخترع العجلة من جديد بل نحاول ان نقنع المشرعين بضرورة تطبيق ما هو معمول به في كل دول العالم وذلك بتنظيم جانبي او فرعي المهنة معا في الاردن واستخدام التسمية الدالة على ما تعنيه "اي مهنة المحاسبة وتدقيق الحسابات" كما هو الحال، على سبيل المثال في مصر والسعودية والكويت وسوريا وعمان العراق وغيرها، ولا مانع من استخدام تسمية محاسب قانوني لدينا في الاردن شريطة ان يفهم منها انها تعني تدقيق الحسابات فقط لان هذا هو واقع الحال، وفي هذه الحالة سوف يبقى جانب المحاسبة الواسع جدا بعشرات الالاف من الاعضاء بحاجة ماسة الى الحد الادني من التنظيم على شكل نقابة او اتحاد او جمعية، اما لوحده او الى جانب تدقيق الحسابات لان المحاسب المؤهل والمنضوي في تنظيم مهني كفؤ هو خط الدفاع الاول في الحفاظ على المصلحة الوطنية الاقتصادية ، وان جودة عمله لا بد ان تنعكس ايجابا على عمل مدقق الحسابات لان عمل المدقق لن ينصب الا على ما يتوصل اليه المحاسب من مخرجات.

لقد جرت محاولات سابقة لتنظيم مهنة المحاسبة الى جانب مهنة تدقيق الحسابات حيث اسست جمعية للمحاسبة في الاردن عام 1997 وتمكن مجلس ادارتها (برئاستي) من فضل الله، بعد عقد عدد من المؤتمرات والندوات العلمية، من توضيح الفرق بين المحاسبة وتدقيق الحسابات واقناع جهات حكومية عديدة ورئيس مجلس مهنة تدقيق الحسابات (رئيس ديوان المحاسبة انذاك) بضرورة تنظيم جانب المحاسبة الى جانب تدقيق الحسابات، علما بانه كان يقال لنا من قبل الجهات الحكومية ان هناك جمعية مدققي حسابات لماذا لا تنظموا اليها؟ فكنا نقول هذه اعمال تدقيق تستوجب تاهيل اضافي وترخيص ونحن لا نبحث عن دور لنا فيها بل نرغب بتنظيم اعمال المحاسبة الواسعة جدا التي تسبق اعمال التدقيق كما اننا اذا اصبحنا جميعا مدققين فمن يقوم باعمال المحاسبة اذن؟ هذا وكثيرا ما كنت اسمع شكوى الاخوة المدققين من ضعف تاهيل المحاسبين وانعكاس ذلك سلبا على اعمالهم، وبالفعل تشكلت لجنة رسمية لهذا الغرض بتاريخ 1/6/ 1998 من قبل رئيس مجلس مهنة تدقيق الحسابات/ رئيس ديوان المحاسبة انذاك الدكتور عبد خرابشة ضمت في عضويتها ممثلين عن جهات عديدة حكومية ومهنية من جمعية مدققي الحسابات القانونيين الاردنيين وجمعية المحاسبة الاردنية حديثة الولادة واعضاء هيئة تدريس في الجامعات الاردنية وباشرت النظر في قانون تنظيم المهنة وعقدت عدة اجتماعات في ديوان المحاسبة لشمول وظيفة المحاسبة في التنظيم الى جانب التدقيق وكنت احد اعضاء هذه اللجنة وعملت فيها لعدة اجتماعات حتى تاريخ مغادرتي في اجازة تفرغ علمي الى جامعة البحرين (1998-2002) ولم استطع متابعة عمل تلك اللجنة علما انه كان في قناعة معظم اعضاء اللجنة ضرورة تنظيم جانبي المهنة (المحاسبة وتدقيق الحسابات) ولكن يبدوا ان اللجنة لم تستكمل اعمالها او انها انحرفت عن مسارها مما ربما ساهم في وضع قانون 2003 غير المتوازن بين جانبي المهنة لانه موه الفرق بين اعمال المحاسبة واعمال التدقيق واستمر الخلط بين العملين والتمويه حتى في نظام مزاولة مهنة المحاسبة القانونية رقم 7 لسنة 2006 المبني على نفس القانون.

ان من الغريب ان كلا من القانون ونظام مزاولة المهنة المذكورين اعلاه في مستلهما يعرفان مصطلح المهنة بانها " مهنة المحاسبة بفرعيها المحاسبة والتدقيق " والسؤال هنا هو اين المواد التي تنظم فرع المحاسبة سواء في القانون او في النظام؟ الجواب لا يوجد، وليس هناك من حدود فاصلة تماما بين عمل المدقق وعمل المحاسب في الاردن وان ما نظم او اعيد تنظيمه من المهنة هو فقط جانب التدقيق بمسى فضفاض "المحاسبة القانونية" وكأن القانون فصل لخدمة فئة مدققي الحسابات لوحدهم على حساب المهنة ككل، ومن الطريف ان السيد محمد البشير في مقال موثق عام 2021 وهو احد رؤساء مجالس ادارة جمعية المحاسبين القانونيين السابقين يستغرب مسمى محاسبة قانونية ويتساءل ان كان هناك محاسبة قانونية ومحاسبة غير قانونية، هذا وما زال عامة المحاسبين يبذلون جهودا ويطالبون بتنظيم مهنتهم بشكل او باخر ولم تتم الاستجابة لهم بعد.

ان مما اثلج صدري، كاكاديمي غيور على المهنة لصالح أبنائنا محاسبي الحاضر والمستقبل، اهتمام اللجنة القانونية بموضوع المهنة وتساؤل بعض أعضائها في الايام الماضية عن الفرق بين المحاسبة القانونية وتدقيق الحسابات ؟ والجواب السليم انه لا يوجد فرق بين المصطلحين لدينا في الاردن في الوقت الحاضر فهما وجهين لعملة واحدة، والاسواء من ذلك ان النظام سمح للمدققين في المادة رقم 6 منه ممارسة الكثير من الاعمال التي تمت الى المحاسبة اكثر مما تمت الى التدقيق وفرط الى حد ما بمبدأ حياد واستقلالية مدقق الحاسبات.

وخلاصة القول ان لدينا تنظيم جيد لفرع تدقيق الحسابات من المهنة (وان كان فيه تطاول على فرع المحاسبة) ولكن ليس لدينا تنظيم يذكر لفرع المحاسبة كمحاسبة، وهذا الوضع لا يخدم المصلحة العامة، علما بان كتابات الاخوة المهتمين في هذا الشان العام لم يسلطوا الضوء بشكل كاف على هذا الخلل الهيكلي في تنظيم مهنة المحاسبة والذي حاولت ان ابرزه بوضوح في هذا المقال راجيا ان اكون وفقت في ذلك.

حفظ الله الاردن في ظل الراية الهاشمية الخفاقة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :