عندما تدافع (واشنطن) عن الديمقراطية والحرية؟!
د.حسام العتوم
27-12-2022 01:52 PM
لفت انتباهي في خطاب رئيس الولايات المتحدة الامريكية جو بايدن بتاريخ 22122022 في الكونغرس الامريكي بحضور رئيس غرب اوكرانيا وعاصمتها (كييف) فلاديمير زيلينسكي الذي استدعي امريكيا الى واشنطن للاستماع لمطالبه العسكرية والمالية بعد خسرانه وبلده اوكرانيا الحوار والحرب والرهان على الغرب، دعوته للدفاع عن الديمقراطية والحرية، ويصعب في ذات الوقت تصور حاجة زيلينسكي وسط الحرب التي انهكت ودمرت بلاده لزيارة ترف يحظى خلالها بتصفيق حار من قبل جمهوريين وديمقراطيين ضمروا العداء لروسيا الاتحادية الناهضة اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً وعلى مستوى القانون الدولي، ومن قبل غرب يقوده حلف (الناتو) المعادي ايضا لروسيا والذي يخطط ليل نهار للتوسع شرقا تجاه الحدود الروسية، وهو الذي لم يمسك بعصا السياسة والحرب والحوار من الوسط، وقدّم استمرار الحرب على السلام العادل، وشكّل سببا مباشراً للحرب الاوكرانية التي يريد لها الغرب مجتمعا أن لا تنتهي، ولكي تتحول الى حرب ابدية، وهي فرصتهم لاستنزاف روسيا، وتقسيمها ان تحقق لهم ذلك، ومحاصرتها، واضعاف حضورها في المحافل الدولية، من غير حسبة دقيقة للنتائج الوخيمة لخطوتهم هذه وتلك، لكنهم اي الغرب لم يقرأوا التاريخ على ما يبدو، ولم يعرفوا بانتصارات روسيا في عمق التاريخ القيصري والسوفيتي على نابليون وهتلر، وبأنهم دفعوا فاتورة من الشهداء في الحرب العالمية الثانية قاربت ال 28 مليون شهيد، وبأن الاستنزاف الغربي قلب الطاولة على خزائنهم المالية وبمبالغ وصلت الى مائة مليار دولار .
نعم لقد جَنَتْ امريكا على الغرب كاملا، وابقته من دون مادة الغاز وحتى من الكهرباء، ففي هولندا مثلا تم توقيف عمل المدارس لشهرين، وازداد تعداد السياح للمناطق الدافئة ومنها العربية، وخسروا مادة الغاز الروسية التي خطط لها ان تصلهم بأسعار تفضيلية عبر مشروع ( نورد ستريم 2 ) الذي بلغت تكلفته 11 مليار دولار، واستمرار روسي ورغم الحرب بتوصيل الغاز لاوروبا عبر الاراضي الاوكرانية لاسباب انسانية، واعتبار امريكا ما تقدمة لاوكرانيا – زيلينسكي من مال وسلاح ليس صدقة بل استثمار في الأمن العالمي يدعو لطرح تساؤل كبير وهو ماذا لو قادت امريكا بأسم الغرب و(الناتو) الحوار مع موسكو وشجعت (كييف) على الاشتراك في الحوار الهادف للمحافظة على سيادة اوكرانيا بوضعها الحالي بعد خسران خيار الحوار مبكرا المباشر منه وعبر اتفاقية ( مينسك 2015 )، وبعد خسران الاقاليم الخمسة ( لوغانسك ودونيتسك " الدونباس " وزباروجا وجانب من خيرسون ) التي ادخلت للسيادة الروسية طوعا وعبر صناديق الاقتراع والرقابة الدولية وتحت الحماية العسكرية الروسية؟ وماذا لو انفق الغرب بقيادة امريكا ما صرف من اموال وما تم تكديسه من اسلحة شرقية تابعة لحلف وارسو وغربية تابعة لحلف ( الناتو ) لخدمة مشاريع التنمية في اوكرانيا واعادة البناء؟ ايهما اولى الحرب ام السلام؟ ولماذا لا يتم الاحتكام للمحكمة الدولية في لاهاي لتبيان حقيقة الحرب واحقية الاقاليم بعد ضمهم للسيادة الروسية، وهل مصطلح الاستثمار في الأمن العالمي يعني ضمنا في السياسة الامريكية الخفية داخل صالات (البتاغون، والكونغرس، والايباك ) تدمير الامن العالمي والتخلص من وجود القطب والدولة الروسية العظمى مساحة وقوة؟
لقد صرح رئيس الاتحاد الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرجي لافروف بأنهما يدعوان للتفاوض مع ( كييف ) والغرب لأنهاء الحرب، ولديهم اعتقاد جازم بأن الاوكران اشقاء وجيران لهم، ولم يدخلوا دباباتهم الى اوكرانيا بقصد احتلالها كما تشيع ماكنة اعلام غرب اوكرانيا والغرب الامريكي، بل ذهبوا الى هناك بعد رصدهم لمظلمتهم التي امتدت لاكثر من ثماني سنوات وسقوط وتشريد اكثر من 14 الفا من ناسهم الروس والاوكران الناطقين بالروسية من بين سبعة ملايين من سكان شرق وجنوب اوكرانيا، وهي الصورة التي لا ترغب امريكا (الدولة العادلة والفاضلة) سماعها كما دول الغرب الحضارية والمدافعة عن حقوق الانسان، وماذا بإمكان امريكا ومعها عموم الغرب قوله بصدد شروع ( كييف ) تقريب ( الناتو ) لحدود روسيا الجنوبية، وانتاج قنبليتين نوويتين واحدة منهما منخفضة القوة؟ وماذا يمكن للغرب قوله بخصوص نشر اكثر من 30 مركزا بيولوجيا ضارا بالديمغرافيا السوفيتية والسلافية في الاراضي الاوكرانية، ومن شجع ( كييف ) على اغتيال الصحفية الروسية داريا غودينا؟ وتفجير خط الغاز ( نورد ستريم 2 )، وجسر القرم، وقصف المناطق الحدودية الروسية، واستخدام طائرات مسيرة لاجتياح العمق الروسي؟
تصريح جديد لدميتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي مفاده بأن بلاده روسيا غير معنية بالتفاوض مع الغرب ولا ثقة لروسيا بهم، وبأن الوضع ينذر بقرب حدوث حرب عالمية ثالثة، وبأن محاولات (الناتو) للتوسع شكلت سببا رئيسا للحرب الاوكرانية، والواضح ( والكلام هنا لي ) بأنه كلما ظهرت دعوات للتفاوض والحوار والسلام تجتمع امريكا صاحبة اكبر ميزانية في العالم والتي بلغت مؤخرا 858 مليار دولار، في زمن بلغ فيه الاحتياطي الروسي من الذهب والعملات 582 مليار دولار، فإلى أين يتجه العالم، وعلى ماذا يراهن ؟ وهل تعتقد دول العالم الكبرى بأن الحياة عادت ممكنة في الاجرام السماوية القريبة من الكرة الارضية للمجازفة بحرب عالمية ثالثة مدمرة للحضارات والبشرية ؟ ايهما اولى كسب السلام ام الحرب ؟ ومن يبدأ السلام يربح اكيد ويدخل التاريخ، ومن يبدأ الحرب واقصد النووية الكبيرة سينتهي اولا، وسيختفي عن وجه الارض.
ثمة وجه شبه كما الاحظ بين زيلينسكي الاوكراني وسااكاشفيله الجورجي، والمسافة المأساوية بين عامي 2008 و2022 ليس بعيدة، هي 14 عاما فقط، وفي كلتا الحالتين كانت امريكا على خط الازمتين، وكانت روسيا لمؤامراتهم بالمرصاد، ولم تستطع قوى الشر تقزيم روسيا او تقسيمها، ولو حدث ذلك كما يخططون لانهار ميزان العالم، وروسيا الاتحادية ميزان حقيقي لعدالة العالم، ولننظر ذات اليمين وذات الشمال ماذا جرى في فيتنام، وافغانستان، والعراق، وسوريا، و ليبيا، وبلاد الخليج ايام صفقة ال 450 مليار دولار، وماذا حصل للقضية الفلسطينية من ضياع حتى الساعة، وشتان بين من يرسخ الاحتلال مثل امريكا وبين من يطالب بطرد الاحتلال مثل روسيا، والرأي العام العالمي هو الحكم بكل تأكيد .