في الحديث عن تطوير منظومة الثانوية العامة
فيصل تايه
27-12-2022 11:18 AM
تبدأ اليوم الثلاثاء اولى جلسات امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة "بدورته التكميلية" لعام ٢٠٢٢ بمشاركة قرابة مئة الف من المشتركين ، حيث يعود هذا الامتحان مجددا بوقائعه وأحداثه وشخوصه ، وبنفس السيناريو المتبع ، مع تكرار المنهجية التقليدية المعمول بها منذ زمن بعيد ، وضمن تجهيزات واحتياطات معتادة لحماية امن الامتحان من باب الإجراءات الاحترازية ليسير كما خطط له ، بالرغم من أن هذه الدورة "دورة الفرصة" تمنح الطلبة الذين لم يستكملوا متطلبات النجاح فرصة التقدم للامتحان دون الانتظار لفصل دراسي كامل والذين بلغ عددهم ٨٦ ألفا ، اضافة الى انه فرصة للطلبة الناجحين لتحسين ورفع معدلاتهم في بعض المواد ، للتقدم والمنافسة من جديد على التخصصات المطروحة والذين بلغ عدد حوالي ١٤ ألفاً .
في حين ان الأسر الأردنية ممن لديهم أبناء "توجيهي" يعودون من جديد الى حالة الطوارئ تتوجسهم الخيفة والتوتر قلقاً على مستقبل أبنائهم ، فهذه الفوبيا المفروضة اصبحت عادة مرافقة لموسم الامتحانات ، دون اي مبرر موضوعي أو ذرائعي ، ناهيك عن ان الثقافة السائدة في المجتمع وعند الاهل والطالب ما زالت تحمل الأفكار التقليدية المستهلكة المتعلقة بمستقبل الطلبة الدراماتيكي ، حيث نسبة كبيرة من طلبتنا ما زالت تستهويهم شهوة النجاح ، من أجل البحث عن تحصيل تراكمي ، املا في الحصول على مقعد جامعي ، وبذلك فهم يسيرون إلى مستقبل يُفرض عليهم بمنطق التنافسية (العادلة) في الجامعات ، والتي قد توجه مصير ابنائنا نحو مزيد من البطالة الهيكلية ، بعيداً عن تلبية حاجاتهم وطموحهم ورغباتهم ، فالعصف التساؤلي هو الذي يعيد الطريق نحو هذا المنطق المستشري .
لكننا وحين نطلع عما يدور في عقلية وزارة التربية والتعليم ، وفي سياق الحديث عن تطوير المنظومة التعليمية والمتضمنة امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة ، نجد الاجابات على ذلك العصف التساؤلي ، حيث السعي بجدية لإعادة النظر باستشراء تلك المنهجية ، خاصة بعد تبوء الاستاذ الدكتور عزمي محافظة حقيبة التربية والتعليم والتعليم العالي ، والذي يحمل في جعبته الأفكار الكبيرة وفي مخيلته النهوض بنظامنا التربوي التعليمي ، فلا سبيل إلى الارتقاء بالثانوية العامة إلا عبر إعادة النظر في المنظومة الحالية ، والاخذ بتوصيات لجنة تطوير الثانوية العامة والتي هي الحل الأمثل للمرحلة القادمة ، وضمن المصوغات الجديدة التي اقترحتها اللجنة ، عبر تبني منهجية التغيير القائم على أسس علمية ومداخل تقنية معروفة كالتخطيط الاستراتيجي أو الجودة الشاملة أو إعادة الهندسة أو إدارة المعرفة أو إدارة الإبداع أو الإدارة بالأهداف وما إلى ذلك ..
من هنا ، اعتقد ان الأفكار قد تبلورت بالرغم من انها تحتاج للوقت الكافي في مرحلة التطبيق ، لكن النية الصادقة لاصلاح منظومة الثانوية العامة موجودة ، ومدعمة بحلول جذرية وضمن خطة وطنية استراتيجية مترابطة وشاملة لتطوير العملية التربوية ، خروجاً من بوتقة التجاذبات المقلقة ، وسيرا بخطوات جادة نحو الأفكار التربوية التنويرية العميقة التي تلبي الطموحات المأمولة ، ضمن خطط اجرائية تأخذ في حساباتها مجمل التحولات الاجتماعية ومنطق حسابات التفكير الأدائية والجوانب المهارية البلومية وحتى مهارات التفكير الناقد والإبداعي والاستدلالي ، والتي أصبحت بحكم التغيرات التربوية الحديثة مطلب يفرض نفسه ، وبحيث تستند إلى قاعدة معرفية تتفق مع خيارات الطلبة ورغباتهم في دراستهم الجامعية .
ومن هنا ايضاً ، فإن مؤسستنا التربوية الرسمية تأخذ بعين الاعتبار ما يمكن ان تواجهه من تحديات ، في ظل المتغيرات التي تفرضها الحياة المعاصرة ، فالأمر أكثر من انتهاج مداخل القصد من ورائها احداث أي تغيير منشود ، لكن ما يدور في عقلية صانع القرار ، ان من الضروري أن يرافق اي تغيير أو تحديث ، خطة لتهيئة للمجتمع الأردني بشكل عام والمجتمع التربوي بشكل خاص ومجتمع التعليم الثانوي بشكل أكثر خصوصية ، وهذا ما سيلقى ترحاباً وقبولاً واسعاً على كافة الاصعدة ، مع مراعاة أبسط أبجديات التغيير المتمثل في التهيئة المسبقة وعدم إحداث التغيير بشكل فجائي ، وهنا أجد حتماً أن الإعلام الرسمي يجب أن يمارس دورًا كبيرًا خاصة في توضيح الصورة الجديدة لمنهجيه العمل في تطوير الثانوية ويكررها باستمرار .
بقي ان اقول ان المرحلة القادمة ستشهد تغيرات ملموسة على أرض الواقع ، خاصة ما هو متعلق " بالتوجيهي" بجهود استثنائية تقوم بها وزارة التربية والتعليم وجهود كبيرة من اللجان المكلفة بإعداد مسودات العمل المناسبة مع مراعاة كافة الظروف والاحوال ودراسة الاحتمالات والتوقعات ، وبما يتناسب مع الضرورات الحتمية التي تفرض نفسها ، وذلك عبر مرجعيات تقويم عادلة مع الحاجة الكبيرة الى بنوك أسئلة مقننة الخصائص السيكومترية باحتراف ، حيث الحاجة الى عملية أتمتة للامتحانات العامة ، باعتماد مجموعة من وسائل التقييم الحديثة المستندة إلى قواعد إجرائية واضحة ترقى إلى مستوى عال من التطور والتقدم .
وفي اعتقادي ، وبمقابل ذلك يكون هناك سنه تحضيرية في الجامعات يتلوها اختبارات بناء على محكات تختلف باختلاف الكفايات المطلوبة لكل تخصص ، بحيث تصبح معايير القبول مركبة من الاليات الجديدة التي ستعتمد القدرات والكفايات ولاتجاهات والميول وغيرها من المتطلبات ، من هنا نجد ان المشكلة التربوية القائمة المتعلقة بالثانوية العامة ستتحول من غاية اجتياز الامتحان الى غاية العلم والتعلّم ..
وأخيرا لننتظر مايمكن أن تعلن عنه وزارة التربية والتعليم بشكل رسمي في الفترة القادمة بخصوص ذلك ، فنحن على ثقة تامة ان وزارة التربية والتعليم وأجهزتها المختلفة ستنجح نجاحا باهرا في خطتها ومنهجيتها الاصلاحية القادمة ، لان المسؤولية جاءت من أعلى المستويات وبقرارات مصيرية وتعاون كل الأطراف ذات العلاقة ، وبحماس من وزير التربية شخصيا الذي سيكون جادا في تطبيق خطة الاصلاح المصيرية للثانوية العامة وبكل همة ومسؤوليه ..!!
نسال الله ان يأخذ بايدي الجميع لاسباب النجاح من اجل تحقيق اهدافنا التربوية النبيلة .
والله ولي التوفيق