هل يُدخل عزمي محافظة الدراسات العليا المختبر؟
د.مهند مبيضين
27-12-2022 12:12 AM
من المهم التوقف عند ما أقره مجلس التعليم العالي في جلسته التي عقدها مؤخراً برئاسة وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور عزمي محافظة، فالقطاع بكليّته مشوه، وبات من لا يجد عملا يذهب لاكمال الدكتوراه كفريضة بديلة عن غياب فرص العمل بعد التخرج.
بعض الكليات في بعض الجامعات التخرج منها للأسف في الدراسات العليا سواء في الماجستير او الدكتوراه اسهل من الذهاب برحلة. هناك مواصفات سهله باتت تحدد حجم الرسائل، وهناك مكاتب جاهزة لعملها.
في تخصصات محدد هناك سهولة ميسرة، يكفي ان تعد الاستبانة لدراسة توجهات فئة معينة نحو امر ما، ويكفي ان تدرس الرضى الوظيفي في مؤسسة، أو يكفي ان تقرر اعداد دراسة عن العلاقات الاردنية مع اي دولة عربية في فترة محددة او من خلال مصدر محدد، وتتخرج برسالة بائسة تضيف لك درجة علمية، تسهم في تقدمك لمشروع نائب او مرشح لامركزية، او تحجز لك مقعداً بين وجهاء المنطقة، او تترقى وظيفيا، او بعد تقاعدك تكون عونا للبعض لقتل الفراغ، أو ليدنو هذا او ذاك من قوارب الابحار في عالم الأكاديميين الذي يعاني من امراض كبيرة، والذي هو ممتلئ بالامراض.
هذا لا يعني أن هناك من لا يستحق، بل إن ثمة فئة تجتهد وتنشد التغيير، ولديها الشغف وحب للمعرفة، فهذا امر موجود، لكنه يمثل القلة والندرة.
غالبية الطلبة تراجعوا، فاذا قلت لطالب دراسات عليا اذهب لدولة عربية وحسب موضوعك لجلب مصادرك واجلس في مراكز الوثائق والمخطوطات مثلا، يقول لك معقول هذا الطلب، وكأن المشرف قد سبّ الطالب، حيث باتت رسالة الماجستير اشبه ببحث فصلي، والدكتوراه أقل من بحث تخرج.
بعض الطلبة يتقاعس عن الذهاب لمكتبة جامعية داخل الأردن لجلب كتاب، وكأن ما يقوم به كبيرة من الكبائر، وفي المقابل هناك طلاب وهم قلة نادرة يفعلون ذلك بحب ورغبة.
وحيث أقر مجلس التعليم العالي أسس استحداث برامج الدكتوراه في مؤسسات التعليم العالي الأردنية، بهدف تنظيم عملية استحداث برامج الدكتوراه، إضافةً إلى المحافظة على جودة مخرجات قطاع التعليم العالي، وتلبية حاجات سوق العمل المحلي والإقليمي.
لست هنا بصدد اعادة كتابة ما قرره المجلس، وهو قرار مهم في سبيل الجودة ومنع تكرار البرامج في الجامعات، لكن من الظلم وضع الجامعات كلها بذات المستوى، بحيث يسمح للجميع التقدم بفتح برامج او استحداثها، بما يساوي بين جامعة كبيرة فيها خمسون الف طالب و1500 عضو هيئة تدريس، وجامعة اخرى فيها خمسة آلاف طالب ومئة عضو هيئة تدريس.
المهم هنا التفكير بشكل مسؤول يدفع الجامعات الكبيرة لوقف التدريس في تخصصات مشبعة، وفتح برامج جديدة متداخلة المعرفة ويعطي لكل جامعة فرصة فتح اكبر عدد من البرامج، شريطة عدم تكررها وبما ينسجم مع الأسس الجديدة.
أما الابقاء على فرصة فتح برنامج او برنامجين وبوقت محدد كرحلة الشتاء والصيف، فهو نوع من توزيع الكعكة على الجميع بالتساوي دون امتلاك نفس القدرات، بمعنى اطلاق اليد للقطاع الخاص لمنافسة القطاع العام.
صحيح ان هذا قد يكون أمرا ايجابيا، فلدينا جامعات خاصة محترمة، لكن لدينا جزء مثل دكان العائلة؛ وثمة توسع في الجامعات الحكومية مشوه وعدم مراعاة لقضايا الاعتماد، والهيئة تحاول ضبط الممكن.
في النهاية كنا نتمنى ان تستشعر الجامعات الحكومية والخاصة التحولات الجديدة في عالم المعرفة، وان تغلق برامج او تجمد الراكد، وبمقدار ما تجمد او تغلق، يجب منحها فرص فتح برامج جديدة من قبل التعليم العالي.
أملنا كبير بقراءة مخبرية من وزير التعليم العالي بالنظر لتخصصه وتحصنه بعالم المختبرات، لواقع الدراسات العليا، وان يُحضر عيناته جيدا ويصدر تقريره، فثمة سوق فتح، وثمة جامعات ارتكبت جرائم في الدراسات العليا واخذتها كمقاولة ومنحت الترخيص للبرامج في دعوات بالمزارع، فنمى البؤس من خلال تجارة قامت وبضاعة كسدت فنفق سوق العلم.
(الدستور)