سيكون لنا، في بضعة أيام، برلمان جديد جئنا به، في انتخابات حرة نزيهة مشهودة تفاصيلها من قبل كل من يهتم بأمرها من منظمات مجتمعنا المدني، ومن منظمات دولية وممثلين أجانب في بلادنا، إذا رغبوا بذلك.
هذا الترتيب، وهو الأول في تاريخنا الحديث، سيضاف إلى جملة مفاخرنا، يلغي كل ما نخجل منه ولحق بنا من تجربتنا في انتخابات سنة 2007، بسبب تصرف غير مسؤول من قبل البعض نرجو ألا يمر من غير محاسبة ولو على سبيل تحصين التوجه الحكومي الجديد.
يأتي نوابنا الجدد وفي علم الجميع أنهم لن يستطيعوا استرداد ما تحملوه من تكاليف مادية في حملتهم الانتخابية من الدولة، ولو على شكل سيارات معفاة من الرسوم الجمركية أو أعطيات مالية، أو على شكل سلف غير مستردة، أو كحصص من الوظائف في البلديات والجامعات والمؤسسات والهيئات المستقلة يخصصونها للأقارب.
ولأن الأمر سيكون كذلك، سيأتون للبرلمان متخففين من كل وعود كانوا، في العادة، يقطعونها لناخبيهم، على سبيل شراء أصواتهم؛ متحررين من مهمة تحولهم إلى متابعي معاملات في دوائر الدولة وإثقال كاهلها وكاهل المواطنين بطلباتهم، وما يعنيه ذلك من توسيع دائرة الخروج على حقوق الآخرين واغتصاب فرصهم.
حقيقة واعدة أخرى تمثلها هذه الانتخابات، وهي أنها تشهد مشاركة أحزاب برامجية وطنية عبر مرشحين لها في كثير من دوائرنا الانتخابية، نتمنى لها ولهم النجاح. فمن الطبيعي أن تكون الانتخابات تنافسا بين أحزاب وبرامج.
نحن مصنفون دوليا في عداد المجتمعات غير المنظمة، فلا أحزاب كبيرة لدينا بعد تنتظم المواطنين في صفوفها وفق برامج سياسية. وما هو موجود لدينا منها لم تتجذر تجربته الوليدة بعد. كما أن مجتمعنا المدني ضعيف، فمجموع المنتسبين لمنظماته لا يتجاوز 6% من مجموع المواطنين في سن النشاط السياسي. ولولا قيادتنا التي تشجع على التنظيم وتعد بالمساعدة وتشرع له، وما يحمل ذلك من أمل للمستقبل، لكان ذلك التصنيف حكما نهائيا على تجربتنا.
لذلك نستبشر بظهور أحزاب برامجية تشارك في هذه الانتخابات، كظاهرة حداثية نتمنى لها النجاح؛ ونعتبر تلك التي استنكفت أو قاطعت الانتخابات شيئا من تركات الماضي الثقيل. فالمشاركة واجب وطني يؤسس لكثير من حقوق المواطنين السياسية لا يجب التخلي عنه. هذا بالإضافة إلى أنها جهد إيجابي ضروري لتصليب مؤسسات الدولة وقدرتها على تحقيق أهدافها.
من الضروري أن نعمل، كل من موقعه، حتى تتحول هذه الظاهرة إلى ثقافة سياسية ديمقراطية نسندها بكل قوة ريثما تعتدل الأشياء فيها وتستقيم. لن نستطيع ذلك بمجرد استحسانها أو تمنيها. فهي بناءات من الواجب إكمالها بالمشاركة الفعالة والمراقبة المستمرة من قبل الجميع، أفرادا وقيادات رأي، ومؤسسات مجتمع مدني نشيط.
نحن على وشك الدخول في مرحلة سياسية جديدة ستكون هذه الانتخابات ومجلس النواب القادم معالم داله على مسالكها، فلندخل بواباتها بروح جديدة والعزم الذي يستحقه وطننا.
(الرأي)