مؤسسات الضمان الاجتماعي حول العالم معرضة لخطر الإفلاس بسبب ارتفاع متوسط عمر الإنسان. الرئيس الفرنسي تنبه لهذا الخطر، فشرب من حليب السباع واقترح رفع سن التقاعد من 60 إلى 62 سنة، الأمر الذي يسمح لكل عامل بأن يسهم في تمويل المؤسسة لفترة أطول، لأن الأرجح أنه سيعيش عالة على المؤسسة لفترة أطول.
سن التقاعد في ألمانيا 65 عاماً، وحرصاً على سلامة الضمان الاجتماعي ترغب المستشارة الألمانية برفع سن التقاعد إلى 67 عاماً. لم تقم في ألمانيا مظاهرات تشل الحياة كما حدث في فرنسا.
في باريس تظاهر ملايين ضد القرار الذي يرفع سن التقاعد إلى 62 عاماً، وفي ألمانيا قدر كبير من التفهم والقبول، مما يعطي مؤشراً على الفرق بين مواطن فرنسي يريد أن يأخذ من الوطن، ومواطن ألماني يتقبل التضحية ومستعد لإعطاء الوطن.
الذين تظاهروا في شوارع باريس وعطلوا حركة السير، وحاصروا مصافي البترول لحرمان الشعب الفرنسي من الوقود، وتمردوا على الأسلوب الديمقراطي في صنع القرار وتمريره من قبل ممثلي الشعب المنتخبين، هؤلاء ليسوا مواطنين صالحين.
تبقى ملاحظة تلفت النظر، وهي أن أكثر المتظاهرين كانوا من الشباب الذين تفصل بينهم وبين التقاعد عشرات السنوات، وبعضهم من الطلبة الذين لم يدخلوا سوق العمل بعد، ومع ذلك يعترضون ويشلون اقتصاد بلدهم، مما يوحي بأن رفع سن التقاعد ليس هو القضية، بل المناسبة التي تهيء فرصة الاحتجاج وممارسة العنف من قبل جيل غاضب على نفسه، وغاضب على وطنه.
قدرت خسائر فرنسا نتيجة للإضراب بين 200 إلى 400 مليون يورو يومياً، فإذا بلغ الإضراب عشرة أيام فإن الكلفة على الوطن ستكون فادحة وقد تتجاوز ثلاثة مليارات.
عندنا أيضاً نسمح للشباب بالتقاعد في سن 45 عاماً ليعيشوا كمتقاعدين يتقاضون رواتب من الضمان لمدة تصل إلى 30 عاماً.
مصلحة أجيال العاملين تكمن في مؤسسة ضمان اجتماعي ذات مركز مالي قوي، ليس الآن فقط، بل على المدى البعيد أيضاً. والقرارات المصيرية لا تؤخذ في الشارع بل في المؤسسات الدستورية وبالوسائل الديمقراطية.
(الرأي)