الوطن يحتاج إلى ابناءه، وهو اليهم في الملمات أحوج، ففي الصعاب يحتاج الوطن إلى وقفة ومساندة ودعم ابناءه، يحتاج إلى إنكار الذات وتجاوز الأنا، وتغليب المصلحة العليا، يحتاج الحكمة وصوت العقل، فالصعاب تكشف معادن الرجال، وتفصل الغث عن السمين.

في الصعاب تكثر الشائعات ويسود الهرج والمرج ويجد المغرضون ضالتهم ليندسوا بين حاجات الناس ومطالبهم لينفثوا سمومهم ويحملوا معاول هدمهم لينقضوا ما استطاعوا على هدم لبنات بنيانه.

في الصعاب تكثر البطولات اللفظية الوهمية، ويظهر المنظرون قولا العاجزون فعلا، ويركبون موجة حاجة الناس ومطالبهم.

في الأيام السالفة كان المواطن والمسؤول على المحك، كل من موقعه، بأن المسؤول المنتم القائد من المسؤول الركيك الذي لا يملك الحجة ولا تهديه الرؤيا ولا يدرك عظم الأمانة الملقاة على عاتقه، ظهر المسؤول الموظف والمسؤول القائد، ظهر المسؤول القوي المؤهل لبناء وطن والمسؤول الذي يختزل مفهوم الوطن بقدر مكتسباته وامتيازاته، فيحني رأسه للزوبعة ويغرز رأسه في الرمال حتى لا يكون في مرأى الحدث، وكي لا تسجل عليه كلمة أو يؤخذ عليه قولا، فيؤثر الهزيمة والإختفاء.

وفي المقابل يظهر المواطن الحريص الخائف على وطنه، وحتى لا تلتبس الأقوال، فلا يعني أن المطالبة بالحق مأخذا ولا يعني أن كل مطالب بالانصاف ومن يرفع صوته حاقد أو مغرض أو متربص فالله بجلال قدره قال ( لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ)
ولكن شتان بين مطالبا بحق صارخا بوجه ظالم مراع بذلك الحفاظ على هيبة الوطن حريصا على منجزاته حارسا لمؤسساته، وبين مغرض لا يرى الإ سوادا، والحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الرجل هلك القوم فهو أهلكهم).

والوطن لا يختزل بشخص مسؤول أو بقدر حاجة أو مطلب، فالوطن هو العرض والشرف والكرامة، والوطن هو الأب والأم والابن والبنت والزوجة، الوطن هو الطمأنية والحب.

وواجب كل منا أن يبقى حاملا لمعول البناء كل من موقعه، فحري بالمسؤول العاجز عن البناء أو إتمام البناء أو الحفاظ على البناء أن يغادر طواعية وأن يخلي مكانه لمن هو أقدر منه، ويدرك معنى أمانة المسؤولية.

والمواطن مطالب بالعمل والجد والتكاتف مع غيره وأن يرفع صوته إن شعر بالظلم وأن يعبر عن رأيه فهذا أبسط حقوقه المحفوظة بالشرع وبالدستور وبالأعراف البشرية على امتداد الكون، لكن وفق قاعدة (لا ضرر ولا ضرار).

حمى الله الأردن وطنا وقيادة وشعبا.