السؤال الأكثر تردادا في عمان وشقيقاتها يتعلق بمصير الحكومة الحالية، بعد الأحداث التي شهدناها جنوب الأردن، والإجابة قد تبدو غائبة، وغير معروفة بشكل واضح ومحدد.
سبب السؤال يعود إلى مقارنة بعضنا لما جرى في هذه الفترة، بظروف مرت فيها حكومات سابقة، وأدت إلى رحيل الحكومة الموجودة تحت ضغوطات مختلفة، وهذه المقارنة قد لا تكون دقيقة كليا هذه المرة، لأن هناك فرقا بين ما جرى زمن حكومة زيد الرفاعي عام 1989، التي استقالت بعد أحداث الجنوب، وحكومة عدنان بدران التي جاءت استقالتها بعد فترة وجيزة من تفجيرات عمان عام 2005، واستقالة حكومة هاني الملقي التي استقالت بعد تحشيد نقابي عام 2018، وما شهدناه خلال نهايات 2022، من ظروف تداخلت فيها المطالب المشروعة بالعمليات الإرهابية معا.
هناك عدة سيناريوهات، الأول يقول إن الحكومة باقية إلى ما شاء الله، وإنه لن يحدث أي تغيير، لا هذه الأيام، ولا بعد الموازنة، ولا خلال فترة قصيرة، وذلك لكون التغيير هنا سيكون استجابة لتأثيرات مجموعة إرهابية، أو محاولات بث الفوضى والتخريب، خصوصا، بعد تقديم حزم حلول لقطاع النقل، والسيناريو الثاني يتحدث عن بقاء الحكومة حتى نهاية الموازنة وأحيانا الدورة العادية لمجلس النواب، دون قرار نهائي بتغييرها، حيث سيتم ترك الأمر حتى ذلك التوقيت لتقييمه بشكل دقيق، والسيناريو الثالث يتحدث عن تغيير مفاجئ قد يحدث في أي وقت، على طريقة حكومات تمت إعادة تشكيلها للمرة الثانية، ولم تدم طويلا، بمعنى أن لا ضمانات ببقاء شيء على حاله، فهذه هي عمان، طوال تاريخها، تغفو في حال، وتستيقظ في حال آخر.
تخضع الحكومة الحالية لعدة عناوين، أبرزها أن الهجوم عليها، قد لا يغير من استقرارها شيئا، لأن الهجوم على الحكومات في الأردن، بات أمرا عاديا، ولو جيء بحكومة جديدة، فسوف تتعرض إلى ذات موجات الهجوم والنقد وغياب الشعبية بسبب القرارات التي تتخذها الحكومة، ومن يتبنى هذا العنوان يريد أن يقول أن لا سبب فعليا لتغيير الحكومة ما دمنا سنبقى بذات الإطار، أما العنوان الثاني فيتعلق بالتعديل الذي جرى على الحكومة وشمل وزيرا واحدا، وقد كان بالإمكان تأجيله، أو تكليف أي وزير بوزارة السياحة، لكن تعيين السفير الأردني في باريس مكرم القيسي وزيرا للسياحة، وهو شخصية مخضرمة، بكل خبرته في الديوان الملكي والعمل الدبلوماسي والحكومة، قد يعطي إشارة استقرار على الحكومة، بمعنى أن توزيره مجددا، كان رسالة ضمنية حول أن الحكومة باقية وغير راحلة، فيما العنوان الثالث يقول إن من يقرر اليوم، في عمان القناعة التي تقول إن التغيير لا يصاغ عبر التهويش أو إثارة الشغب ضد الحكومة، بل عبر زوايا محددة، يعرفها بعضنا، ولا يعرفها بعضنا الآخر، بمعنى أن الحسابات معقدة للغاية.
في كل الأحوال سؤال بقاء الحكومة أو رحيلها، سؤال للطبقة السياسية أولا، لأن أغلبية الأردنيين يبحثون عن حلول، وعن سياسات مفيدة لهم، وليس عن مجرد تغيير أسماء، ووجوه، وعناوين.
ما يتوجب قوله هنا إن النظرية الأردنية الأكثر حساسية، أي نظرية “الإزاحة والإحلال” أي إزاحة أسماء وإحلال أسماء محلها، من باب تغيير الأجواء، وصناعة جو جديد، وجدولة الآمال، وتخفيف أي ضغوطات، نظرية لا تعمل دائما في عمان، إذ يتم اللجوء إليها في مرات لتنفيس أي احتقانات، وفي مرات يتم تعطيل هذه النظرية، لاعتبارات معينة، قد لا تظهر علنا بشكل واضح.
الخلاصة هنا تقول إن لا أحد يعرف حتى ساعة كتابة هذه السطور، إذا ما كان شيئا ما سيحدث في عمان، في توقيت قريب أو بعيد، ومن الواضح جدا، أن إدارة الأمور تخضع لقواعد معدلة، وهذا يعني أن كل توقعاتنا قد تنجح، وقد تفشل، لكن المؤكد من حيث المبدأ أن هناك إصرارا على تثبيت المرحلة بشروطها، وعدم السماح بهزها، استجابة لأي ضغط أو عنوان.
والسؤال الذي وصفته بالأكثر تردادا في عمان وشقيقاتها، سيصبح الأقل تردادا في عمان وشقيقاتها لأن أي قضية في الأردن لا تثار أكثر من ثلاثة أيام وثلث فقط… أيها الرفاق.
(الغد)