والمقصودُ الديمقراطية الغربية، وهي الأقدم والأكثر تطوّراً.
والجوابُ، مع الأسف: نَعَم.
عدة عوامل تُهدّد الديمقراطية في الغرب اليوم. وهي مُتداخلة، لا بل مُترابطة عضوياً.
الأول ويتمثّل في تفشّي ثقافة شعبية سلبيّة مُعاكسة للثقافة الإيجابية التي تتغذى عليها الديمقراطية.
يُؤكّد الدّارسون أن الشعب هو القاعدة الأساسية للديمقراطية. فهو من يُعوَّل عليه في انتخاب ممثلين يتمتعون بالمواصفات المطلوبة لنجاح عملية التمثيل السياسي.
ومن هنا فإنّ شكل الديمقراطية الذي يتمخّض عن عملية التمثيل في مجتمع ما يرتبط ارتباطاً جوهرياً بشكل الثقافة الشعبية السائدة.
فإذا كانت القاعدة صحيّة وسليمة، يكون ما ينجم عنها صحيّاً وسليماً. والعكس صحيح.
مع الأسف الثقافة الشعبية في الغرب اليوم ليست في أحسن أحوالها. لا بل إنّ الكثير من السلبيات والأمراض بدأت تؤثر عليها وتتحكّم بها، ومنها رفض مبدأ التعددية والاختلاف، وهو الأساس في الأنظمة الديمقراطية، وتفشّي التفكير العنصري، وتردّي القِيَم والأخلاق، وعودة التّزمُّت والتّطرف...
يقول العالم كارل سيغن في كتابه «العلم شمعة في الظلام» الذي صدر عام 1996 بأن 95% من الأمريكيين يتمتعون ب «أُمّيّة عِلمية. "نسبةٌ صادمة، ولعلّها اليوم أسوأ، وهي مُؤشّر على ثقافة القاعدة الشّعبية المُغذية للديمقراطية.
المبدأ المُهم هنا أن الصيغة الديمقراطية التي تتبناها الدول هي مرآةُ ثقافةِ شعوبها. والثقافة الشعبية الغربية، التي خَبِرت صحوةً مهمةً فيما مضى، عادت وانتكست حديثاً، مُنحرفة بشدة نحو الانغلاق والتعصب.
أما العامل الثاني فيتّصل بنوعيّة الأحزاب الفاعلة في الساحة، والتي لها الأهمية الكبرى في العملية الديمقراطية، كون الأحزاب هي الأذرع التي تُمارس الشعوبُ السياسةَ من خلالها.
والمؤسف أنّ وضع الأحزاب في الغرب كان أفضل حالاً في وقت مضى مما هو عليه الآن.
في أمريكا وأوروبا كان لكل حزب رئيس ظهر على الساحة ونجحَ وسادَ، كيانٌ واضح المعالم، وكان مؤثراً وفاعلاً وملتزماً بقواعد اللعبة الديمقراطية.
أما اليوم فقد بات واضحاً أن القواعد الشعبية، بسبب التغيّر السلبي في ثقافتها، أخذت تدفع بالأحزاب إلى توجهات أو مُمارسات لا تنسجم مع مبادئها، أو أن تلك القواعد بدأت تنتقدُ الأحزاب وتَسِمُها بأنها لا تُمثلها وتُلوّح بتركها إلى غيرها من الأكثر تعصباً وتطرفاً، والتي بدأ نجمها يسطع.
ولا نبالغ إذا قلنا إن الأحزاب الغربية التقليدية التي عرفناها هي اليوم في ورطة.
أما العامل الثالث فيرتبط بالسّاسة، والذين لم يعد معظمهم يستقرُّ في حزب معين، بل يسعى للانتماء أو التحالف مع أي حزب أو مجموعة أحزاب توصله للحكم. وكأنّ المبادئ والقِيَم لم تعد مهمة، وكأنّ الحاكمية أصبحت غاية لا وسيلة.
وهنالك عوامل أخرى.
نقطتان مهمّتان:
أولاً، لعلّ هنالك فروقات وتفاصيل بين الوضع في أمريكا والوضع في بعض الدول الأوروبية. لكنّ التحوّلات العامة متشابهة، إن لم تكن متطابقة.
ثانياً، ينبغي قيام الدول من خارج النطاق الغربي التي تهمها الديمقراطية، ونحن منها، بدراسة هذه التحوّلات المُزعجة دراسة مستفيضة من أجل الوقوف على مدى تأثيرها عليها ومن أجل حماية الصّيغة الديمقراطية التي تعمل على تطوريها لتتناسب مع المُراد.
أمرٌ مهم، لا يجب إغفاله.
(الراي)