جرائم الإرهاب حاضرة .. وعيون الأمن شاخصة
اللواء المتقاعد الدكتور عمار القضاة
اللواء المتقاعد عمار القضاة
25-12-2022 05:23 PM
في حضرة وداع الشهداء.. الكرام المكرمين ،الأحياء في حضرة ربهم ونحن الصغار امامهم، نلقي التحية في حضرتهم ونقرأ حكايات نضالهم، ونعلن النفير والحداد على رحيلهم.
فالجريمة بحقهم هو الكفر بعينه، والفُجر في ارتكابها عظيم، لأن المستهدفين هم حماة الوطن وجنده القائمين على امنه.
والمجرم الإرهابي التكفيري احل سفك دمائهم، وهانت عليه حسرات، والم أوطانهم واحزان امهاتهم وابنائهم.
الارهابيون التكفيريون هم رأس الكفر، وفكرهم ضال منحرف مبني على سفك الدماء، حججهم ساقطة واهية مدسوسة، قتلوا حتى اسرهم واقرب الناس اليهم، واي قتل بعد ذلك.
اجتثاثهم واجب، لا ان نَحذرهم او نُحَذِّر منهم فقط، بل يجب ان نسبقهم بخطوة ضبطهم والتحفظ عليهم، حالهم حال الأشخاص الخطيرين من ذوي الأسبقيات الجرمية الذين يشكل وجودهم أحرارًا طلقاء ،خطرًا على سلامة المواطنين وهم كثر في مراكز الإصلاح والتأهيل، بل ان فئة التكفيريين هم الأشد خطرًا على الناس، والأولى بالزج بهم في تلك المراكز وهم خلايا نائمة تنتظر فرصتها للإنقضاض اذا ما اتيحت لها الفرص.
فالقاسم المشترك بينهم وبين اصحاب الجرائم الخطرة عِلّة مشتركة واحدة، وهي الخطورة الكامنة في مسلكهم، وما بالك اذا كان اصحاب الفكر الضال يتميزون عن مكرري الجرائم بشدّة جرائمهم، واثرها الكبير الذي قد ينتهي بالتفجير وقتل رجال الأجهزة الأمنية.
وقد بدى لي من خلال عملي في جهاز الأمن العام بالتعامل معهم الآتي:-
1- التاريخ الأسود لأغلبهم ،فهم من متعاطي المخدرات والسكر وقضايا الاغتصاب وهتك العرض والقتل، وعندما تكثر جرائمهم ويشعروا بالذنب يلجؤون الى الانخراط بأصحاب الفكر التكفيري لقناعتهم بأن مصيرهم الجنة بعد اقناعهم بهذه الفكرة، وظنا منهم ان ذلك سيكون صك غفران لهم لشعورهم بإثم جرائمهم التي ارتكبوها، وقد تبين لي ان مكرري الجرائم كانوا محط اهتمام في سياسة المنظمات الإرهابية لتجنيدهم في صفوفها، وقد ثبت بعد ذلك انهم اصبحوا قيادات هامة في التنظيم.
حدثني احدهم - وهو نزيل في مراكز الإصلاح والتأهيل - انه قتل زوجته في الشارع العام رميا بالرصاص، لخلافات عائلية، وقد استباح دمها، فكان تبنيه لهذا الفكر بدافع نيل المغفرة.
وحدثني اثنان منهما اثناء التحقيق معهما بارتكاب جرائم سرقة عدة منازل، فكان الجواب انه يجوز لهم السرقة شرعًا لجمع الأموال بحجة ان تستخدم لتنفيذ مخططاتهم!.
2- جرائمهم ليست اندفاعية او متسرعة او رد فعل كحالة جرمية منفردة، بل هي جرائم مخطط لها جيدا ،بعد دراسة أهدافهم بعناية فائقة، لتحقيق اكبر قدر ممكن من الأضرار البشرية (التجمعات الكبيرة)، لتفريغ حقدهم وايمانهم بفكر الانتقام، واللجوء الى بث الرعب في وجوه اعدائهم من خلال الوحشية وترويع الناس، وليحققوا الأثر العاطفي والتغطية الإعلامية التي هي جزء من سياستهم لجلب المؤيدين لهم، من خلال استعطاف الناس بأنهم من يطبق شرع الله دون غيرهم، وهذا هو أسلوب صياغة نقطة شعور خاص متولد لديهم بأنهم محط انظار وخوف من قبل أبناء مجتمعهم المحيط، ما يشعرهم بالمكانة والهيبة ورهبة الغير منهم.
3- لديهم مهارات جيدة في التخطيط، واستخدام وسائل الاتصال الحديثة، وأساليب في التخفي والحرص على عدم كشف هويتهم واخفاء كل ما يجلب الشبهة اليهم عند إخفاء ادواتهم من متفجرات واسلحة، وكل ما يلزم لتنفيذ أهدافهم المدروسة.
وقد كانت الأردن ساحة لعملياتهم كما حصل في احدى الأعراس بفندق كبير، وكما حدث في مهرجان الفحيص، وفي اربد والكرك، وكان حجم الشهداء كبيرًا.
4- عند التعامل معهم من قبل الأجهزة المعنية بعد كشفهم وفضح تورطهم، لا خيار امامهم الا المبادرة بإطلاق النار على رجال الأمن مهما كانت النتيجة، وهذا يعود الى أفكارهم وعقيدتهم الصلبة التي لا تفرق بين الموت والحياة، ولرغبتهم بتصحيح المجتمع الفاسد وخلق المجتمع الطاهر - بحسب اعتقادهم - وانهم بموتهم فإن الجنة مثواهم.
5- تبنيهم لخطاب الردة وتكفير الآخر حتى لأفراد عائلاتهم ،وتقديم عقيدتهم على رابطة النسب والأصول والفروع الى درجة قتلهم، واستحلال دمهم. وأذكر جيدًا انني تعاملت مع احدهم في عام 2002 قام بقتل والده وشقيقته وامه التي نجت بأمر الله من الموت المحقق، والسبب ان شقيقته رفضت الزواج من صديقه الذي هو احد عناصر التنظيم التكفيري، فكان ما كان وبكل بساطة.
وما هو حري بالمعرفة انني وبعد العودة إلى مئات القرارات الصادرة عن محكمة التمييز والمتعلقة بمواد قانون منع الإرهاب لسنة 2006 وقانون العقوبات الأردني وفقا لآخر تعديلاته، فقد تبين من خلال تلك الجرائم الإرهابية، أن نسبة كبيرة ممن عقدوا العزم وبيتوا النية او نفذوا جرائمهم، كانوا ضحايا غش وخداع لتلك التنظيمات من خلال متابعتهم عبر وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة لإصدارات تلك التنظيمات ،واعتقادهم بأنهم يطبقون الشريعة الإسلامية وأنهم على حق.
انها جماعات تنشأ على وقع الحروب والثورات والاضطرابات الداخلية بمظاهرها كافة، بل انها مزقت الثورات الناشئة عن الاضطهاد السياسي وقلبت المعادلات السياسية لصالحها في دول مجاورة للأردن.
ولكل ذلك ولأن الإرهاب على خلاف الظواهر الجرمية الأخرى، ينفرد بتأثيره السيكولوجي الذي يتأثر به كل فرد من افراد المجتمع ،ما يغدو معه على جانب كبير من الأهمية في تمييز جرائم الإرهاب، وهذا يتطلب جهدًا متميزا بل استثنائيًا في ملاحقة المنتمين اليه بكل الطرق التي اجازها القانون، ولا ننسى فضل اجهزتنا الأمنية في احباط العديد من مخططاتهم على الساحة الأردنية، ولا ننسى فضل من انبرى من علماء الأمة للحديث معهم والتوعية من اخطار فكرهم، حتى داخل مراكز الإصلاح والتأهيل والتي تمارس هذا الدور من قبل مختصين اذ نجحت في ثني العشرات منهم على ترك ضلالهم بل وادماجهم مع المجتمع وبتنسيق مع مركز السلم المجتمعي التابع لمديرية الأمن العام.
الإستمرار بالوعي المجتمعي والديني ودور الأسرة ومؤسسات التعليم هام للغاية، بل اننا نحتاج إلى ما يشبه بحارس البوابة الإلكترونية في وسائل التواصل الاجتماعي وفق ضوابط قانونية - على الأقل - للحد مما ينشر.