التحديات الاقتصادية وتجاوز الأزمة
أ.د. عبدالله العنبر
25-12-2022 03:04 PM
أي ظلمٍ أشدُ؟ وأي خطرٍ أعظم من أولئك الذين يتطاولون على الأجهزة الأمنية العين الساهرة على أمن الوطن والمحافظة على استقراره؟ إنَّه من المؤلم حقاً أنْ تركب فئةٌ موجةَ الاحتجاجات وتعتمد على المزايدة والإثارة وتصفية الحسابات رغبةً في كسبٍ سياسي ورهاناتٍ حزبيةٍ، إذْ تحاولُ أنْ تعززَ مكانها على خارطةِ الوطن، ويتعالى صوت خطابٍ انفعاليٍ يستغلُ الظروفَ الاقتصاديةَ التي يمرُ بها الأردن والعالم ليقفز إلى المشهد السياسي الأردني بطريقة فقدت صدقيتها بعد سقوطِ الأقنعة. ويبدرُنا سؤالٌ جوهري: هل يفرق الباحثون عن مصالحهمِ الذاتيةِ بين المطالبةِ السلميةِ وبين الاعتداءِ على هيبةِ الدولةِ وتهديد أمنها؟
ويتضح أنَّ الشعارات الطوباوية والخطابات المنفعلة لم يعد لها مكان في ظل التحديدات التي تعصف بالمنطقة، والعنصر الحاسم سؤال نصه: أين تضحية المواطن لإنقاذ وطنه من أزمة عابرة (سحابة صيف) يمر بها؟ والملاحظ أنَّ الأزمات المفتعلة التي يثيرها أصحاب الأجندات المشبوهة مصيرها التشظي والتحطم بفعل إرادة أبناء هذا الوطن؛ فالأردنُ فوقَ ما يظنون وأكبرُ ممّا في نفوسهم، ونقول لهم: ألم يأتكم نبأ الأردن الذي يعبر المئوية بكبرياءٍ وعظمة ويتجاوز التحديات والمؤامرات كي تبقى الراية خفاقة مشرقة في سماء الأمة تنير للأجيال سبل العز والمجد.
هذا هو الأردن كما عهدناه: ((صخرة الوادي إذا ما زوحمت)) تحطمت عليها آمال الطامعين، وهل يخفى على أحدٍ صليل سيوفنا وصهيل خيولنا؟ إنّ هؤلاء الذين يبيعون أوطانهم بثمنٍ بخسٍ ويتم تحريكهم كأحجارٍ في لعبة الشطرنج إشعالاً للفتنة، نقول لهم: إنَّكم تفكرون من رؤوس غيركم، ولا ترهبنا سهام الظلم والإرهاب، فالأردن يقوده هاشميون نشامى من بيت النبوة ما لانت لهم قناة ولا انحنت لهم هامة. والأجهزة الأمنية يقودها شرفاء شعارهم ((تهون أنفسنا ولا يهون الوطن)).
ويبدو واضحاً أنّ الذين يجعلون مصالحهم هدفاً ويسخّرون الوطن لهذا الهدف يقودون أوطانهم إلى مهاوي الردى. إنَّهم يتخذون الديمقراطية قناعاً لتزوير الحقائق والمفاهيم، فهم لا ينتجون سوى الأوهام والمغالطات التي تُقام على مقولاتٍ هشة لا أساس لها ولا مهمة تدعيها سوى المصالح الذاتية. ومن الواضح أنَّ الانسياق وراء العواطف الجياشة والانفعالات يضع الإنسان في موقفٍ ينتهبه الضعف فيغلب عليه الانفعالُ الذي يتنافى مع الموضوعية.
وهنا نشير إلى أنّ الاتهامات الباطلة التي تصدر عن أجندات خارجية معادية للأردن وشعبه لن ترهبنا ولن تثني هذه المزايدات الأردنيين الساعين لنيل المُنى فوق هامِ الشُهب. وهنا يبدرنا مطلب جوهري وهو أنْ يحوِّل الحريصون على هذا الوطن اللحظة الانفعالية إلى أقصى درجات الوعي للواقع مواكبةً للتحديات وخروجاً من المأزق الاقتصادي؛ فالوضع الاقتصادي الاستثنائي الذي يمرّ به الأردن والعالم يقتضي تطوير التشريعات الاقتصادية وإلغاء الكثير من القيود التي تعيق طرق الجذب الاقتصادي بما يكفل انتقال رؤوس الأموال واختراق أسواق جديدة ومشاركات عالمية. ومن هنا يتضح أن استثمار اللقاءات الاقتصادية التي يقودها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين يؤدي إلى استقطاب الرساميل والاستثمارات الأجنبية.
فالأزمة الاقتصادية العالمية تفرض على الدول العربية أنْ تبني نموذجاً اقتصادياً خاصاً بها، وأنْ يؤسس على أيديولوجية استثمار الثروة العربية تحقيقاً لقوة هذه الأمة اقتصاديا وحماية لمصالحها تجاه المجتمع الدولي. فالأمة العربية مطالبة بأن تعيد النظر في قراءة الواقع في ضوء المرجعيات الراسخة التي تعظم المصلحة العربية العليا وفق نظرة مفادها أن الأمن العربي أمن واحد لا يقبل التجزئة وأنَّ النظرة الأحادية تُغيِّب رسالة الأمة.
وعاش الأردن واحة أمنٍ واستقرار في ظل القيادة الهاشمية الظافرة.
* الجامعة الأردنية