كنت أسكن في حي يسكنه عدد كبير من الجيران من عائلات مدينة بئر السبع، وكنت أستغرب انتشار اسم (عيد) بين العائلات فلا تكاد تخلو عائلة من طفل اسمه (عيد) إلى أن جاء عام (1985) وتم عرض مسلسلاً لاقى زخماً بالحضور اسمه (هبوب الريح) وكان من أنجح الأعمال الفنية وقتها ولاقى مشاهدة جماهيرية منقطعة النظير.
وكان بطل المسلسل هو (عيد الصانع) الملقب بهبوب الريح شخصية حقيقة قاوم الاحتلال البريطاني والصهيوني وسطر كل معاني الرجولة والبطولة في أحداث ذلك المسلسل ومن هنا عَرَفت لماذا تسمي معظم العائلات السبعاوية أبنائها (عيد) أسوة بذلك البطل (عيد الصانع)، وقبل أيام وبالصدفة عُدت لمشاهدة مسلسل (هبوب الريح) عبر (youtube) لأصدم بروعة العمل وبراعة إخراجه ودقة حوار الممثلين فيه وكيف استطاع المخرج (محمد عزيزية) إبراز البطل (عادل عفانة) الذي قام بدور هبوب الريح بتلك البراعة وأدركت بأن هذا المسلسل قد أرّخ لمرحلة تاريخية خطيرة (بداية الأربعينات) وكيف قاوم أبناء الجنوب الأردني والفلسطيني المستعمر بكل جسارة وقوة، وتستنج من المسلسل أن لا حدود كانت تفصل بين الأردن وفلسطين إطلاقاً فكانت العشائر تتنقل دون حدود وبكل أريحية بين مدن الأردن ومدن فلسطين وكان الأبطال من هنا وهناك يبذلون الغالي والرخيص لأجل قضية فلسطين والتخلص من المستعمر دون مناقشة قضية (اردني فلسطيني) لأن في أحداث المسلسل تذوب الهوية لأجل القضية.
سررت جداً بأحداث هذا العامل الرائع ودعوت جميع من أعرف يشاهده، وحزنت كثيراً لما آلت إليه المسلسلات والأعمال الدرامية الأردنية ومستوى الانحدار الذي نشاهده بما يقدم من أعمال درامية أردنية ومستوى الانحدار الذي نشاهده بما يقدم من أعمال خالية من الإخراج والنص والفكرة وللأسف تمنيت لو نعود لمرحلة الثمانينات حينما كانت الدراما الأردنية في عصرها الذهبي.
(عيد الصانع) يجب أن يعرف به كل طفل أردني وهناك العشرات مثل عيد الصانع والذين ضحوا بحياتهم لأجل هذا الوطن الذي خرّج قوافل الابطال والشهداء فهل يا ترى من الممكن أن نرى في القريب أي عملٍ درامي يؤرخ لهؤلاء الأبطال!